الملك فهد في سطور

  • ولد جلالة الملك فهد بن عبد العزيز في مدينة الرياض عام 1920م الموافق 1340هـ.
  • عين وزيرًا للمعارف عام 1373هـ (1953م).
  • عين وزيرًا للداخلية عام 1382هـ (1962م).
  • عين نائبًا ثانيًا لرئيس مجلس الوزراء عام 1387هـ (1967م)، إضافة إلى مسؤولياته بصفته وزيراً للداخلية.
  • اختاره -المغفور له- جلالة الملك خالد وليًّا للعهد في 13 ربيع الأول 1395هـ (25 آذار/مارس/1975م) ونائبًا لرئيس مجلس الوزراء، وزوّده بصلاحيات واسعة لإدارة شؤون البلاد والإشراف المباشر على مصالح الشعب.

ترأس خلال حياته العامة المجالس والهيئات التالية:

  • المجلس الأعلى للبترول والمعادن.المجلس الأعلى للجامعات.
  • الهيئة الملكية للجبيل وينبع.
  • المجلس الأعلى لرعاية الشباب.
  • اللجنة العليا لسياسة التعليم.
  • اللجنة العليا لشؤون الحج.
  • الهيئة الملكية لتطوير المدينة المنورة.

أما عن المهام الخارجية التي تحملها جلالته خلال حياته العامة:

  • عضوية وفد المملكة العربية السعودية في الأمم المتحدة بمناسبة افتتاح أعمال الهيئة في نيويورك.
  • ترأس وفد المملكة العربية السعودية في مجلس جامعة الدول العربية في الدار البيضاء عام 1959م.
  • زار فرنسا عام 1967م بدعوة من الحكومة الفرنسية وأجرى محادثات مع الرئيس ديجول.
  • ترأس وفد المملكة إلى بريطانيا عام 1970م للمشاركة في مناقشات مستقبل الخليج.
  • زار فرنسا عام 1975م وأسفرت هذه الزيارة عن إيضاح فرنسا لمعالم سياستها تجاه القضية الفلسطينية بوجوب انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة، وضمان حقوق الشعب الفلسطيني.

الملك فهد رائد النهضة التعليمية

في الثامن عشر من ربيع الثاني عام 1373هـ (24 كانون الأول \ ديسمبر \ 1953م) صدر المرسوم الملكي رقم 5\3\26\1950 القاضي بتأسيس وزارة المعارف وتعيين صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن عبد العزيز وزيرًا لها.

وكانت شؤون التعليم منوطة قبل ذلك بمديرية للمعارف تتبع نائب جلالة الملك في الحجاز، وجاء في قرار إنشاء وزارة المعارف: (أمور المعارف العمومية هي عبارة عن نشر العلوم والمعارف والصنائع، وافتتاح المكاتب والمدارس والمعاهد العلمية مع الحرص على أصول الدين الحنيف).

وكان عدد المدارس حتى تاريخ إنشاء وزارة المعارف 43 مدرسة ابتدائية، و4 مدارس ثانوية، ومدرسة تحضير البعثات، والمعهد العلمي السعودي.

ومنذ تولى فهد وزارة المعارف رسم لها سياسة بعيدة المدى تهدف إلى:

  • نشر التعليم وتعميمه في جميع أنحاء المملكة بمختلف مراحله الابتدائية والمتوسطة والثانوية.
  • التمهيد لإنشاء جامعة، أو أكثر، تكون نواة لتأمين التعليم العالي للطلبة السعوديين.
  • التوسع في البعثات الدراسية إلى الخارج على أساس حاجات البلاد إلى المؤهلين الأكاديميين لسد حاجة قطاع التعليم من جهة، وباقي قطاعات الدولة من جهة أخرى.
  • تحقيق الاكتفاء الذاتي تدريجيًا من المدرسين السعوديين لمختلف المراحل التعليمية.

وخلال السنوات التي تولى فيها الفهد وزارة المعارف من عام 1373 إلى 1380هـ تحدثت الأرقام عن بعض الإنجازات:

  • كانت ميزانية وزارة المعارف عام 1374هـ (1955م) 45671592 ريالًا، وفي عام 1377هـ (1960م) بلغت هذه الميزانية 87000000 ريالًا.
  • أما في عام 1380هـ (1960م) فقد أصبحت الميزانية 137012200 ريالًا.

وعبر هذه الميزانيات تتحدث الأرقام عن أهم الإنجازات التي تحققت خلال حوالي سبع سنوات تولى الفهد فيها وزارة المعارف:

  • فقد ارتفع عدد المدارس الابتدائية إلى 712 مدرسة، وعدد الطلبة إلى 104203 طالبًا، وعدد المدرسين إلى 4940 مدرسًا.
  • ارتفع عدد المدارس المتوسطة إلى 36 مدرسة تضم 5437 طالبًا و262 مدرسًا.
  • وتضاعف عدد طلاب المدارس الثانوية، كما ازداد عدد مدرسيها عدة أضعاف.

وخلال تولي الفهد وزارة المعارف أنشئت أول جامعة في الجزيرة العربية وهي (جامعة الملك سعود) عام 1377هـ (1957م)، أي بعد عام واحد من اضطلاعه بمسئوليات وزارة المعارف، وكانت الجامعة بادئ الأمر تضم كليات للآداب والتجارة والعلوم والصيدلة، ثم أنشئت كلية للهندسة بالتعاون مع منظمة اليونسكو.

وفي العام 1380هـ (1960م) أنشئت الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، وهي جامعة إسلامية عالمية المدى، سعودية المنشأ والموقع، وتضم طلاباً من أكثر من مئة جنسية من مختلف بلاد العالم، ومنذ إنشاء هذه الجامعة حتى اليوم، ظل الفهد رئيسًا أعلى لمجلسها، ولا يكاد يمر عام إلا ويجتمع إلى أساتذتها وطلبتها للتداول في حوار مفتوح حول مختلف الشؤون الخاصة بالجامعة وبالدعوة إلى دين الله.

وتبدو لنا ثمار الخطط التعليمية على المستوى الجامعي والأكاديمي فيما نراه اليوم من انتشار للجامعات وفروعها في جميع مناطق المملكة، فهناك الآن 29 جامعة وهي:

جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الجامعة الإسلامية جامعة أم القرى
جامعة الملك فهد للبترول والمعادن​ جامعة الملك عبدالعزيز​ جامعة الملك سعود​
جامعة القصيم​ جامعة الملك خالد​ جامعة الملك فيصل​
جامعة حائل​ جامعة الطائف​ جامعة طيبة​
جامعة الباحة​​ جامعة الجوف​​ جامعة جازان​​
جامعة الحدود الشمالية​​ جامعة نجران​​ جامعة تبوك​​
جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل​​​ جامعة الملك سعود بن عبدالعزيز للعلوم الصحية​​ جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن​​
جامعة المجمعة​​ جامعة شقراء​​ جامعة الأمير سطام بن عبدالعزيز​​
جامعة بيشة​​ جامعة جدة​​ الجامعة السعودية الإلكترونية​​
جامعة حفر الباطن جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية

ولقد عبّر الملك فهد عما توليه الدولة من دعم للقطاع التعليمي وما تبني عليه من آمال، فقال في أحد أحاديثه: (.. إن من فضل الله علينا وتوفيقه، أن أصبح لدينا الآن سبع جامعات، وآلاف من المدارس في مختلف مراحل الدراسة الابتدائية والمتوسطة والثانوية في مختلف أنحاء البلاد، وأصبح أبناؤنا يتخرجون من الكليات العليا في مختلف التخصصات، مثل الشريعة والعقيدة والطب والهندسة والاقتصاد، وكل مجالات التعليم والتطور، مما هو مدعاة لاعتزازنا وتقديرنا).

وهكذا سجل تاريخ الوثبة السعودية لجلال الملك فهد تلك الإنجازات في أحد أهم مجالات هذه الوثبة وهو التعليم بمختلف مراحله: من الروضة إلى الجامعة.

ذلك أن بناء الإنسان كان له –دوماً- الأفضلية القصوى في التطلعات التطورية التي تعمل المملكة العربية السعودية من أجلها، فكان الفهد -في مختلف المسئوليات التي تولاها- يولي العلم والتعليم أكبر نصيب من اهتمامه، وكان مما قال -جلالته- في هذا الصدد:

“بالنسبة لي، لست غريبًا على رجال العلم وطلبة العلم، فقد كان أفضل أيامي التي أعتز بها، واعتززت بها في الماضي، وسوف أعتز بها في الحاضر، وفي المستقبل، أن شرفني الله تعالى فقمت بأعمال وزارة المعارف التي شُكّلت في المملكة العربية السعودية، ومعها تقلدت مناصب أخرى، لكنني أجد -في الواقع- أن العلم ورجال العلم هم الذين أشعر بهم حولي، وأنا كذلك في نفس الوقت حولهم، لإيماني الكامل بأن العلم هو الشيء الأساسي الذي تعتمد عليه الأمم، وفي مقدمة ذلك عقيدتنا الإسلامية السمحة التي هي -في الواقع- الأساس وهي مقياس لنا كأمة إسلامية.”

أمن واستقرار في عهد الملك فهد

وفي الثالث من شهر جمادى الثانية 1382هـ (1962م) تولى الفهد مقاليد وزارة الداخلية، فأعاد تنظيمها وفق أسس عصرية تتناسب مع ما وصلت إليه المملكة من تطور حتى ذلك الحين، وعلى أن يكون العلم هو سبيل هذا التنظيم، فأنشأ كلية قوى الأمن الداخلي (كلية الملك فهد الأمنية الآن) لتأهيل الشباب السعودي على المستوى الجامعي في العلوم التي تقتضيها مختلف نشاطات وزارة الداخلية ومسئولياتها.

كما أنشأ معهد ضباط الصف والجنود، معهد المرور، ومعهد قيادة السيارات والميكانيكا، ومعهد اللغات، ومعهد التربية البدنية، وميدان الرماية الدولي، ومعاهد أخرى متخصصة وفق حاجات ونشاطات وزارة الداخلية، مع تطوير الوكالات والأسلحة التابعة للوزارة، بحيث تعمل هذه الجهات متعاونة للحفاظ على الأمن والاستقرار اللذَيْن يعتبران من أبرز مظاهر الحياة في المملكة منذ تأسيسها إلى اليوم.

وبنتيجة هذه النشاطات التنظيمية تولت وزارة الداخلية، خلال المدة التي تولى فيها جلالة الملك فهد مقاليدها، مسئوليات الأمن العام وخفر السواحل والدفاع المدني والجوازات والشؤون الجنائية والشؤون البلدية وإمارات المناطق، وما يتفرع عنها من تنظيمات.

النائب الثاني

وفي العام 1387هـ (1967م) عهد جلالة الملك فيصل -رحمه الله- إلى جلالة الملك فهد -رحمه الله- بمنصب النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء، إضافة إلى مسئولياته وزيرًا للداخلية ورئيسًا لعدد من الهيئات العليا المتخصصة. وأصبح –بصفته نائبًا ثانيًا- يرأس معظم جلسات مجلس الوزراء، إلى جانب قيامه بمسئوليات سياسة تتعلق بالسياسة الخارجية للمملكة، وإشرافه على الشؤون التنفيذية العليا في القطاعات الرئيسة في البلاد من تعليمية واقتصادية وبترولية.

ومن واقع هذه المسئوليات جميعا ألم فهد بكل ما يتعلق بمسئوليات السياسة والإدارة والحكم، وحمل من هذه المسئوليات بعضها بشكل مباشر، وقد تبدت هذه الخبرة الواسعة في الوثبات السريعة التي حققتها المملكة في جميع مجالات حياتها دون استثناء، لاسيما بعد تزايد الموارد المالية للمملكة، حيث وجهت توجيهاً مناسباً لتحقيق تلك الوثبات.

ولي العهد

وفي الثالث عشر من ربيع الأول 1395هـ (25 آذار \مارس\1975) توفي جلالة الملك فيصل -رحمه الله- وبويع جلالة الملك خالد بن عبد العزيز مليكًا للبلاد، فكان إسناد ولاية العهد ومنصب نائب رئيس مجلس الوزراء للفهد هما أول قرار اتخذه جلالته -يرحمه الله-، كما فوضه بكثير من الصلاحيات للوصول بالبلاد إلى أفضل وأرقى ما يمكن من إنجازات، وهو ما تضمنته الخطتان الإنمائيتان الثانية والثالثة اللتان انتقلتا بالبلاد إلى العصر الحديث بكل ما يحمل هذا التعبير من معنى.

المليك

وعلى أثر انتقال جلالة الملك خالد إلى رحمة الله، بويع ولي عهده مليكًا للبلاد في الحادي والعشرين من شعبان 1402هـ (13 حزيران\يونيو\1982م) فكانت هذه البيعة تجديداً للمحبة والثقة والولاء، محضها الشعب، ومليكه فهد بن عبد العزيز الذي عرف -جلالته- في مختلف مراحل حياته رجل دولة موهوباً، وسياسيًا لامعًا، ورائد تقدم وتطور ونهضة.

الملك فهد في سبيل التضامن الإسلامي

تعتبر الدعوة إلى التضامن الإسلامي، والعمل على خدمة الإسلام والمسلمين، من ركائز السياسة السعودية، داخلياً وخارجياً، منذ تأسيس المملكة العربية السعودية وحتى يومنا هذا.

ولقد أرسى جلالة المغفور له الملك عبدالعزيز أسس هذه السياسة، وسار عليه من خلفه من أبنائه، فأفاضوا إليها وزادوا عليها خطوات إلى الأمام، حتى رأينا هذه الدعوة وقد تبلورت في مؤتمرات للقمة، وأخرى لوزراء الدول الإسلامية في مختلف التخصصات، وفي منظمة للمؤتمر الإسلامي، ورابطة للعالم الإسلامي، وأخرى للشباب المسلم، ومراكز ومعاهد ومساجد تنتشر في معظم أنحاء العالم للدعوة إلى سبيل الله وجمع كلمة المسلمين.

وفي ذلك قال جلالة الملك فهد:

المملكة العربية السعودية هي واحدة من دول أمة الإسلام، هي منهم ولهم، نشأت أساساً لحمل لواء الدعوة إلى الله، ثم شرفها الله لخدمة بيته وحرم نبيه، فزاد بذلك حجم مسئوليتها، وتميزت سياستها، وتزايدت واجباتها، وهي إذ تنفذ تلك الواجبات على الصعيد الدولي إنما تتمثل ما أمر به الله من الدعوة إلى سبيله، بالحكمة والموعظة الحسنة، وتتحسس ما كان يفعله رسول الهدى عليه الصلاة والسلام، عندما يواجه الشدائد وعظائم الأمور، يستخدم العقل استخدامه للقوة، فالإسلام دين الرحمة والعقل والقوة، يأبى التخريب، ويحارب الغوغائية، محاربته للذل والضعف والاسترخاء..

هذه منطلقات سياستنا في الداخل والخارج، ولذا فإن على المؤمنين بالله من قادة المسلمين وعلمائهم مسئولية كبرى في مؤازرتنا والسير معنا في طريق الدعوة إلى الله، وتطبيق أحكامه في شتى فروع الحياة، ونحن نمد لهم أيدينا بإخلاص لا تعكره ريبة، وبعزم لا يشوبه وهن ولا تردد، وعندما تصدق النية، وتصح العزيمة، ويتوحد الصف، فسوف تكون أمة الإسلام أقوى أمم الأرض بإيمانها أولاً ثم بما حباها الله من ثروات هائلة، ومراكز جغرافية حساسة، تدعم ذلك كله قوة عسكرية نرهب بها الأعداء ونحمي بها الأصدقاء، فلو تحقق هذا الهدف الذي لانزال نسعى إليه، لما حاكت الدول الكبرى مؤامراتها ضدنا لتفتيتنا وتقطيع أوصالنا، وغزو أراضينا، ولما بقي الشعب الفلسطيني عشرات السنين دون كيان يحميه أو وطن يعيش فيه و لبقيت أفغانستان مستقلة لا تدنسها أقدام الغزاة، و لعادت أراضينا المختلة وتنفست أمتنا نسيم الحرية وارتاحت من بطش الطغاة.

وأنتم تعلمون، أيها الأخوة، كيف انطلقت من هذه الديار المقدسة في المملكة العربية السعودية دعوة التضامن الإسلامي، فثار صدها الشرق والغرب، حاولوا وأد الفكرة في مهدها ولكن عزيمة المخلصين من قادة المسلمين مكنتنا فأنشأنا منظمة المؤتمر الإسلامي، والمؤسسات والهيئات التي تنبثق منها أو تعمل لتحقيق أهدافها، وهذه هي الدائرة التي نمارس الان نشاطنا الإسلامي داخلها، وهي لا تقل أهمية أو قوة عن دائرة الأمة العربية، فالإسلام عزنا، والمسلمون سندنا وعمقنا الاستراتيجي.

ومن هذا المنطلق كان انعقاد مؤتمر القمة الإسلامي الثالث في التاسع من شهر ربيع الأول 1401هـ (25 كانون الثاني\يناير\1981م) الذي كان حدثاً تاريخياً متميزاً، فلأول مرة في التاريخ اجتمع ذلك العدد من ملوك ورؤساء وقادة المسلمين في ذلك المكان الطاهر، في أجمل مظهر من مظاهر الإخاء والتضامن والتفاهم، وبعد أن ألقى المغفور له جلالة الملك خالد، طيب الله ثراه، كلمة الافتتاح، تلاه جلالة الملك فهد لكلمة اضافية ألقاها على المنصة المقامة قرب الكعبة المشرفة، منوها بما تعقده الأمة الإسلامية التي لاتحل إلا بالتضامن ووحدة الكلمة.

وقد أناب جلالة الملك خالد ولي عهده في رئاسة جلسات المؤتمر الذي تابعته وسائل الإعلام العالمية والدوائر السياسية الدولية بكثير من الاهتمام، وحضر أمين عام الأمم المتحدة (السابق) كورت فالدهايم إلى المؤتمر بصفة مراقب تعبيراً عن تقدير الأمم المتحدة للدور الحيوي الفعال الذي تضطلع به الكتلة الإسلامية في المجال الدولي، وأهميته في مسيرة السلام العالمي.

ولقد أسفر المؤتمر عن تنقية الأجواء بين بعض الدول الإسلامية، وفتح صفحات جديدة من العلاقات الأخوية بين بعض آخر منها، مما أكد الأهمية القصوى التي توليها المملكة العربية السعودية للتضامن الإسلامي، كمبدأ ووسيلة، من أجل خدمة دين الله، وتوحيد كلمة المسلمين.

ولقد رعى جلالة الملك فهد كافة الجهود الإسلامية الرامية إلى رفعة شأن المسلمين وتقوية الروابط فيما بينهم، وكانت له، في مختلف مراحل حياته، رحلات زار خلالها معظم البلاد الإسلامية، عاملاً من مواقع المسئوليات المختلفة التي تولاها على تصفية الأجواء، ونصرة القضايا الإسلامية، والتقريب فيما بين المسلمين وجعل تضامنهم حقيقة واقعة.

وعمل جلالة الملك فهد على الدوام على دعم الجمعيات الإسلامية، وبخاصة في الدول غير الإسلامية، وعلى المساهمة في نباء المساجد، والمراكز الإسلامية الدينية والثقافية والاجتماعية، انسجاماً مع المسئولية التي تأخذها المملكة على عاتقها وكمحط لأنظار، وآمال، المسلمين في جميع أنحاء العالم.

وحرص جلالة الملك فهد على رعاية المؤتمرات الإسلامية المتخصصة التي عقدت في المملكة وعلى افتتاح جلسات أكثرها بنفسه، ليشدد في كلماته على أهمية العمل الجماعي الإسلامي قائلاً:

إن العمل الجماعي هو الصفة المميزة لنجاح الأمة الإسلامية وقدرتها على مواجهة التحديات.

الملك فهد في سبيل العروبة

وفي كل مناسبة يؤكد جلالة الملك فهد على عمق تحسس المملكة بانتمائها العربي الذي هو جزء لا يتجزأ من الانتماء الاسلامي.

فلقد كان منطلق العرب إلى بناء أمجادهم هو دين الله الذي حملوه من شبه الجزيرة العربية وانطلقوا به داعين إلى الرسالة الخالدة: كتاب الله في قلوبهم، والإيمان يسير بهم من نصر إلى نصر.

وكان لجلالته، في مختلف أطوار حياته العامة، دور مرموق في معالجة كثير من القضايا العربية، فزار جميع البلاد العربية أكثر من مرة، وحضر كثيراً من المؤتمرات والاجتماعات العربية، وسار وسيط خير ومحبة وسلام بين الدول العربية المتنازعة، ووقف بقوة وصلابة إلى جانب كل شعب عربي في قضاياه، سواء كانت سياسية أم عسكرية أم اقتصادية، وهو في كل ذلك يحرص على توكيد هذا الانتماء في مختلف المناسبات:

وأول مراحل تعاوننا هي دائرة جامعة الدول العربية، تحيط بالأمة العربية وترسم حدود نشاطنا معها ونحاول من داخلها أن نتعاون مع أشقائنا العرب على جمع الكلمة ورأب الصدع، إذ أننا نؤمن بأن في وحدة الصف قوة رادعة، وفي تفككه ضعف وهوان، ونأمل مخلصين أن تكون الخلافات هامشية بين الدول العربية.

ولقد سجل التاريخ أهم قضيتين شغلتا العرب في الوقت الحاضر لجلالة الملك فهد جهوداً تاريخية ساعدت على تخفيف كثير من ويلاتها، وبذلت ما أمكن بذله من أجل وضعهما على طريق الحل .. وهما قضية فلسطين وقضية لبنان.

فتاريخ القضية الفلسطينية الحديث يحفظ لجلالته، خلال أكثر من ربع قرن، عملاً متصلاً في المحافل الدولية والعربية في تأييد حق الشعب الفلسطيني في أرضه، وفي شرح هذه القضية لقادة وزعماء العالم الغربي الذي التقى بهم في مختلف المناسبات.

وقد سببت هذه المواقف كثيراً من الازعاج للدوائر الصهيونية ومن يساندها فراحت تركز هجماتها على المملكة العربية السعودية وقادتها، ولكن فهد أعلنها، في كل مناسبة، أن الموقف من الصهيونية ومن القضية الفلسطينية هو موقف مبدئي لا رجوع عنه، وأن للدعاية الصهيونية وأبواقها أن تفتري وتتقول كما يشاء لها شيطانها، مع الثقة بأن يوم النصر العربي آت –بإذن الله- وأن اندحار الصهيونية هو حتمية تاريخية شاءت إسرائيل والصهيونية ذلك أم أبت..

وكان واضحاً أن سقوط اتفاقيات كامب ديفيد التي عقدها الرئيس المصري السابق أنور السادات إنما كان بسبب الموقف الثابت للمملكة العربية السعودية، والذي يقول بأن تلك الاتفاقيات ليست كافية لتحقيق الحل المنشود، وقد ظلت الاتفاقيات –منذ توقيعها وإلى اليوم- على حالها من الجمود على خلاف ما كان يأمل العدو الصهيوني.

ومع ما يؤمن به جلالته من أن وحدة الصف هي القوة الكبرى التي يستطيع العرب بها تحقيق أهدافهم، فقد ظل يؤكد ذلك ويعمل من أجله لتصفية الخلافات الجانبية وتوحيد كلمة العرب على موقف واحد.

قال جلالته:

إن المبادئ الأساسية لا خلاف عليها، فنحن نطالب بتحرير الأرض العربية المحتلة وبحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره و بإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وواضح أن اتفاقيات كامب ديفيد رغم ما فيها من قصور عن الحل النهائي الشامل تتعرض لمحاولات متعنتة من جانب إسرائيل تناور بها لتشق الصف العربي ولكسب الوقت، وإنها في النهاية لن تسلم حتى بأقل القليل الذي ادعت تنازلها عنه في كامب ديفيد .. إذن فإن على العرب أن يبحثوا عن حل لمشكلتهم الرئيسية، ولن يجدوا هذا الحل إلا اذا استطاعوا توحيد صفوفهم والوقوف في وجه المشكلة أمة واحدة متحدة الكلمة.. إن التضامن العربي الحقيقي والفعلي هو أن نحمل العالم على احترامنا وأن ينظر إلى مشكلتنا نظرة جادةـ فيتيح لنا ذلك أن نكسب مزيداً من الأصدقاء، وأن نرغم الأعداء على أن يحسبوا لنا حساباً يقسرهم على إرجاع الحق لأصحابه .. إن اقتناع الرأي العام العالمي بحقنا المشروع في فلسطين، وفي إرجاع الشعب الفلسطيني المشرد إلى وطنه، وحريته على تقرير مصيره وإقامة دولته، كل ذلك توفره وحدة صفوفنا ومواقفنا وقدرتنا على العمل الواحد .. على رفض احتلال أرض شعب بالقوة، وهو الشعب الفلسطيني وحقه المشروع في تقرير مصيره في أرضه ووطنه.

فجلالة الملك فهد يرى أن القوة الناجمة عن وحدة الصف هي الطريقة الأولى لإقناع الرأي العام العالمي بعدالة قضيتنا وإجبار العدو الصهيوني على التوقف عن عدوانه، وإدراك حقائق الأمور من منظور واقعي.

ولقد كانت لفتة سياسية جديرة بالتقدير أن طرح فهد مبادرته لحل ((قضية الشرق الأوسط)) حلاً يضع حداً لهدر الحقوق، وسفك الدماء، والفوضى والاضطراب، وهي المبادرة التي حملت اسم ((مشروع فهد)) والتي تحولت بعد ذلك إلى قرارات تبناها مؤتمر القمة العربية الثاني عشر الذي عقد في فاس فأصبح اسمه ((المشروع العربي))، كما تبناها مؤتمر القمة الإسلامي الرابع الذي عقد في الدار البيضاء.

لقد وضع فهد العالم كله أمام مسئولياته تجاه المشكلة الفلسطينية التي اتخذت هيئة الأمم المتحدة بشأنها عشرات القرارات التي لم تنفذ، فهو قد استخلص نقاط المشروع من مقررات الأمم المتحدة ذاتها فقال في ذلك:

هناك مجموعة مبادئ يمكن الاسترشاد بها وصولاً إلى التسوية، وهي مبادئ سبق للأمم المتحدة أن أقرتها وأعادت تأكيدها مراراً خلال الأعوام القليلة الماضية.

أما تلك المبادئ فهي:

  • انسحاب اسرائيل من جميع الأراضي التي احتلت عام 1967م بما فيها القدس العربية.
  • إزالة المستعمرات التي أقامتها إسرائيل في الأراضي العربية بعد عام 1967م.
  • ضمان حرية العبادة وممارسة الشعائر الدينية لجميع الأديان في الأماكن المقدسة.
  • تأكيد حق الشعب الفلسطيني وتعويض من لا يرغب العودة.
  • تخضع الضفة الغربية وقطاع غزة لفترة انتقالية تحت إشراف الأمم المتحدة ولمدة لا تزيد عن بضعة أشهر.
  • قيام الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس.
  • تأكيد حق دول المنطقة العيش بسلام.
  • تقوم الأمم المتحدة أو بعض الدول الأعضاء فيها بضمان تنفيذ تلك المبادئ.

وكما نرى فإن هذه المبادئ ماهي إلا خلاصة لقرارات الأمم المتحدة وللمبادرات العديدة التي أعلنتها دول أوربا الغربية وغيرها، فهي –إذن- بمثابة وضع للأمم المتحدة أمام مسئولياتها لتنفيذ مقرراتها إذا كانت راغبة، حقاً، في وضع حد للعدوان الإسرائيلي المتواصل.

إلا أن فهد، مع إدراكه لأبعاد المشكلة وخلفياتها، أشار إلى أن تنفيذ تلك المبادئ رهن ثلاثة شروط هي:

  • وقف الدعم الأمريكي اللامحدود لإسرائيل.
  • وضع حد للغطرسة الإسرائيلية التي يمثل ((مناحيم بيجين)) أبشع صورها. وهذا الشرط يمكن تحقيقه تلقائياً إذا تحقق الشرط الأول.
  • التسليم بأن الرقم الفلسطيني هو الرقم الأساسي في المعادلة ((الشرق أوسطية)).

وقد كانت الضجة العالمية التي أحدثها ((مشروع فهد)) دليلاً على مدى اقتناع جميع الأطراف ذات العلاقة بالقضية بأن هذا هو السبيل الحقيقي الوحيد لحل مشكلة من خلال مقررات الأمم المتحدة ومجلس الأمن وبعض الدول العربية، فهو بمثابة تكثيف لكل الحلول المطروحة مع الأخذ في الاعتبار للحقوق الفلسطينية.

وقد أشار جلالته إلى ذلك صراحة حين حمّل الدول المسئولة عن قيام واستمرار اسرائيل مسئولياتها فقال:

والحديث عن مسئولية الولايات المتحدة بالنسبة للصراع العربي الإسرائيلي لا يعفي دول أوروبا الغربية من مسئولياتها، وبصورة خاصة بريطانيا التي تتولى حالياَ رئاسة مجموعة السوق الأوروبية والتي تتحمل مسئولية كبيرة بالنسبة لما جرى للشعب الفلسطيني .. أن مصالح أوروبا الغربية في المنطقة العربية لا تقل أهمية وحيوية عن مصالح الولايات المتحدة، وقد سمعنا كثيراً عن تحرك أوروبي ومبادرة أوروبية ولم نلمس شيئاً محدداً حتى الان.

لقد طرح فهد مبادرته لتذكير العالم وهيئاته ومنظماته الدولية بمسئولياتها وقراراتها فهو يقول:

إن المبادئ التي ذكرتها ليست من تأليفي أو ابتكاري، ولكنها من قرارات صادرة عن الأمم المتحدة سواء عن مجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبالإمكان ضمها جميعاً في قرار واحد يصدر عن مجلس الأمن ويشكل إطاراً للتسوية الشاملة.

ولابد لنا من أن نشير إلى أن ((مشروع فهد)) قد تضمن إلى جانب مبادئه الثمانية ثلاثة شروط، ولا بد من النظر إليه على اعتبار المبادئ والشروط كلاً واحداً لا يتجزأ، ومن هنا كان على دول العالم –كلاً حسب مسئوليتها- أن تختار بين استمرار المشكلة الشرق أوسطية وتفاقمها وتعقيدها، أو احترام مقررات الأمم المتحدة واتخاذ القرار المناسب والعمل على تنفيذه بحرفيه.

ومع هذا كله، وانطلاقاَ من الإدراك العميق لتطبيقه العالم الذي نعيش فيه، أشار فهد في مناسبات عديدة في الداخل والخارج، إلى أن القوة العربية الذاتية، ومعها القوة الإسلامية الشقيقة، هي القادرة على أن تقول الكلمة الفاصلة، عندما تتحد صفوفها، وتتفق كلمتها، وتزول الخلافات الجانبية والصراعات الهامشية فيما بينها.

أما بالنسبة لقضية لبنان، فلقد تصاعدت أحداثها من العام 1395هـ (1975م) وتفاقمت إلى الحد الخطير الذي نعرف، وخلال ذلك كانت المملكة العربية السعودية تسعى بكل ما وسعها من جهد لوقف النزيف ومنع الاقتتال وإعادة لبنان إلى وحدته وسلامته وسيادته.

وكان فهد يتابع القضية من مختلف جوانبها ومراحلها، فينادي –المرة بعد المرة- بضرورة وقف القتال بين أبناء الشعب الواحد، وطرح الحلول التي تتفق مع المصلحة العليا للبنان.

ولقد أسهمت المملكة العربية السعودية في تخفيف ويلات الحرب ومد يد العون للشعب اللبناني في مختلف مراحل القضية، فشاركت في قوات الردع العربية حين تقرر إنشاء هذه القوات وإرسالها إلى لبنان، و ساهمهت في جميع المباحثات والمحادثات السياسية التي دارت بين مختلف الأطراف المحلية والخارجية في لبنان، وقدمت المعونات المادية والطبية للمتضررين من الحرب، وظلت تتابع، بدأت ومثابرة، كل تحرك يرمي إلى وضع حد لما يحدث في لبنان، وفي ذلك قال جلالته:

إن الوضع اللبناني يشكل إحدى أهم نقاط الضعف الرئيسية في الموقف العربي، فقوة لبنان قوة للعرب، وضعف لبنان ضعف للعرب، والاقتتال الدائر على أرض لبنان بين أبناء الشعب الواحد وما ينتج عنه دمار وخراب وسفك لدماء الأبرياء، أمر يحز في النفوس ويبحث على الحزن والأسى.

إن استرداد لبنان لعافيته أصبح أمراً ضرورياً للغاية وعلى قائمة أولوياتنا وهذا لن يأتي إلا عن طريق دعم جهود الحكومتين اللبنانية والسورية بتحقيق الوفاق الوطني بين كافة الأطراف اللبنانية المتنازعة ودعم الشرعية اللبنانية.

وحين وقع العدوان الإسرائيلي على لبنان والذي وصل إلى بيروت والمناطق المحيطة بها كان للموقف السعودي الحازم دور بارز في حمل أمريكا على الضغط على المعتدي لوقف عدوانه وتنفيذ قرار خروج أبطال المقاومة الفلسطينية من بيروت –بعد ثلاثة وسبعين يوماً من الصمود الباسل أمام آلة الحرب الإسرائيلية- بصورة مشرفة أحبطت هدف إسرائيل في تحطيم المقاومة وإذلالها والقضاء عليها.

وفي الوقت نفسه كانت الجهود السعودية تتابع النيران المشتعلة في البيت العربي، سواء في المشرف أو المغرب، فسعت إلى تصفية كثير من الخلافات، وقربت بين أقطار عربية عديدة كانت متباعدة، تحقيقاً لما نادى به فهد دوماً حول ضرورة توحيد الموقف العربي لمواجهة أعدائنا المتربصين بنا.

الملك فهد والتعاون الخليجي

ومن دائرة الوطن الإسلامي الأكبر، التي تعمل المملكة العربية السعودية من خلالها، إلى دائرة الوطن العربي التي تعتبر مجالاً آخر للتحرك التضامني السعودي، كان إنشاء ((مجلس التعاون لدول الخليج العربية)) الذي وصفه جلالة الملك فهد بقوله:

لقد وفقنا الله أن ننشئ مع أشقائنا في الخليج، داخل دائرة الجامعة العربية، دائرة قوية فعالة هي مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ودرعاً للعرب، يصد الأذى ويعمّق الأواصر.

لقد قامت فكرة إنشاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية على تنسيق العلاقات وتوحيد أنماط التنظيم في مختلف المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية والصحية ووسائل الاتصالات، نظراً لتجانس أساليب الحياة في دول المجلس: الكويت، البحرين، قطر، المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان.

فشعوب هذه الدول تجمعها وحدة الأرض والتاريخ والدين واللغة والمصالح، والعلاقات فيما بينها عريقة في متانها وقوتها منذ أقدم الأزمان، فكان طبيعياً، مع التوجهات الوحدوية التي يتطلع إليها قادتها وزعماؤها، أن تتبلور هذه العلاقات على شكل مؤسسة دعيت ((مجلس التعاون لدول الخليج العربية)) لها أمانة عامة، ومؤسسات فرعية متخصصة، ويرأس هذا المجلس على مستوى القمة ملوك وأمراء هذه الدول عبر مؤتمرات دورية للقمة تعقد في عواصم تلك الدول على التوالي، وتبحث فيها مختلف الشؤون التي تهم دول مجلس والتي تشكل نقاط التقاء فيما بينها حول مختلف الشؤون.

وقد أثبت هذا المجلس فعاليته في مواجهة الأحداث التي مرت بالعالم وبالمنطقة سواء فيما يتعلق بشؤون البترول الذي تقف دول المجلس في مقدمة منتجيه، أو فيما يتعلق بالحرب الإيرانية العراقية، أو محاولات الهيمنة والتدخل التي تمارسها بعض الدول الكبرى، فلقد كان موقف دول المجلس الست موحداً من هذه الأمور جميعاً، مما أعطاه أبعاده الدولية الواسعة التي أثبتت فعالية المجلس، ومبادرته، وإدراكه لأهدافه سواء على التصعيد الخارجي منم حيث حماية الخليج من أي تدخل بجهود أبنائه وحدهم، أو على الصعيد الداخلي بالتنسيق الشامل لمختلف نواحي الحياة.

وكان سير مجلس التعاون في طريقه المرسوم، من مستوى القمة إلى مختلف مستويات النشاطات الأخرى، دليلاً على تصميم دوله على مواصلة جهودها لاستكمال كافة أسباب القوة وترسيخ هذا الإنجاز التضامن العربي والإسلامي.

وخلال انعقاد مؤتمر القمة الخليجية في دولة قطر أعرب جلالة الملك فهد عن مشاعره إزاء ما حقق المجلس من إنجازات فقال:

إن قيام مجلس التعاون جاء في المقام الأول تلبية لآمال وطموحات وتطلعات هذه الشعوب، واستجابة لرغباتها وميولها الحقيقية نحو التكاتف والتعاون والتعاضد، كما جاء تجسيداً للروابط الأخوية الحميمة التي تربط بين دولنا وتضرب بجذورها في أعماق تاريخ المنطقة حيث وحّدتنا العقيدة الإسلامية السامية التي ندين بها جميعاً، والتي حفظت لنا شخصيتنا وهويتنا وتميزنا، كما جمعتنا أصول واحدة رسّخت روح التعاون والمودة والإخاء بيننا.

إننا لا زلنا نجابه التحديات والصعوبات مما يستلزم نضافر الجهود، وتكامل الإمكانات، وشمولية الاستعداد، لنضمن لمنطقتنا حريتها واستقلالها ولشعوبها أمنها واستقرارها وتقدمها ورفاهيتها، ولأمتنا المجيدة عزتها ومنعتها مما يجعلنا نقبل على هذا اللقاء بروح متفائلة بأنه سيكون لقاء خير وبركة إن شاء الله، وأننا سنتمكن بعون الله وتوفيقه من المضي قدماً نحو تحقيق الأهداف والتطلعات النبيلة والخيرة التي يسعى إليها مجلس التعاون.

الملك فهد في سبيل السلام العالمي

لقد كانت المملكة العربية السعودية على الدوام عضواً فعالاً في المجموعة الدولية، فهي من الدول المؤسسة للأمم المتحدة، ومن الدول الناشطة في مختلف المؤسسات الدولية المنبثقة عن الأمم المتحدة أو غيرها، جهودها العالمية التي تتناسب مع رسالتها في المجموعة الدولية سياسياً واقتصادياً وفي كل مجال آخر.

يضاف إلى ذلك المركز الخاص الذي تحتله المملكة لدى جميع المسلمين، يتجهون إلى الأراضي المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة حجاجاً وزواراً ومعتمرين، كما يتوجهون بقلوبهم وأجسادهم نحو الكعبة المشرفة خمس مرات كل يوم في صلواتهم.

ومع التغيرات الدولية، سياسياً واقتصادياً، كانت المكانة العالمية للمملكة العربية السعودية تزداد عمقاً ورسوخاً، فهي تعمل على توثيق الروابط مع الأصدقاء، دون أن يخل ذلك بالتزاماتها الوطنية بالنسبة للقضايا الإسلامية والعربية، بل إن امدى تلك الروابط يقاس –من وجهة النظر السعودية- بمدى ما يعمل الأصدقاء على تأييد القضايا الكبرى للأمة الإسلامية والعربية.

وبهذا كانت السنوات القليلة الماضية مجالاً لنشاطات متواصلة قامت بها المملكة على الصعيد الدولي، بتبادل الزيارات على أعلى المستويات، والتباحث في مختلف القضايا العالمية، ولئن كانت وجهات النظر تختلف أحياناً، إلا أن السياسيين العالميين قد أجمعوا على ما يتحلى به جلالة الملك فهد من حكمة وخبرة وبعد نظر، و مايحرص عليه من معالجة القضايا العالمية من منظور مصلحة السلام العالمي من جهةـ والمصلحة الإسلامية والعربية من جهة أخرى.

وفي ذلك قال جلالته:

نحن نعمل في المحيط الدولي الشامل داخل دائرة هيئة الأمم المتحدة وفروعها ومنظماتها، ونلتزم بميثاقها وندعم جهودها، ونحارب أي تصرف شاذ يسعى لإضعافها، وتقليص قوة القانون الدولي لتحل محله قوة السلاح ولغة الإرهاب، ولقد كانت تصرفاتنا وستبقى، تعكس إحساسنا بالانتماء إلى المجموعة الدولية كأسرة واحدة مهما اختلفت مصالحها، وتصور إيماننا بمبادئ السلام المبني على الحق والعدل، ونعتقد أن الأمن الدولي والاستقرار السياسي مرتبطان بالفعالية الاقتصادية ومنبثقان عنها.

وكان طبيعياً، ومتوقعاً أن تشعر الدوائر الصهيونية ومن معها من القوى المعادية للإسلام والمسلمين، والعرب والعروبة، بالحقد على المملكة العربية السعودية، والمكانة الدولية التي تحتلها، والكلمة المسموعة التي تصدر عنها في مختلف القضايا العالمية، فكان أن شنت حملات شرسة من الافتراءات والأكاذيب ضد المملكة وقيادتها، بمختلف وسائل إعلامها في بعض الدول.

ولقد أعرب جلالة الملك فهد عن إحاطته بأبعاد هذه الحملات وأهدافها فقال في أحد تصريحاته الصحفية:

إن المملكة العربية السعودية تتعرض لحملة ضارية منذ حوالي السنتين (منذ عام 1978م) ويكفي هذا التاريخ للدلالة على ارتباط الحملة بموقف المملكة المعارض لمحاولات التسوية المبتورة للصراع العربي الإسرائيلي.

إن القوى الصهيونية تحاول شغلنا وإلهاءنا بمثل هذه المعارك الجانبية لصرفنا عن الخط الذي أخذناه إلى جانب أمتنا وقضاياها العادلة، يضاف إلى ذلك أن العداء للإسلام قاسم مشترك بين قوى كثيرة، والمعركة هذه قديمة ومتجددة باستمرار، وأعداء الإسلام يدركون دورنا في خدمة الإسلام والمسلمين، وهم يعتبرون أن الحملة ضدنا إنما هي جزء لا يتجزأ من حملتهم على الإسلام، وأن الواحدة منها لا تكتمل وتحقق أغراضها الخبيثة إلا بالأخرى.

ولكي أضع النقاط على الحروف أذكر أن الثالوث الذي نحاربه هو الاستعمار والشيوعية والصهيونية، وهذا الثالوث هو الذي يشترك الان في الحملة ضدنا .. والأساليب كثيرة ومتنوعة وخبيثة .. ونحن، هنا، لا وصلابتها وإخلاصها، وكلما مضت الأيام ازدادوا ضراوة في الهجوم علينا.

وإذا كان البترول –عصب الحضارة الحديثة- هو الهاجس الأكبر للدول الغربية، وكان لموقف المملكة من مشكلاته تأثيره المباشر على تلك المشكلات، فقد كان السؤال الأكثر إلحاحاً من الصحفيين ورجال الاعلام في تلك الدول هو محاولة استشفاف موقف المملكة إزاء هذا الموضوع، فكان تعليق جلالته على ذلك متسماً بالمرونة والدبلوماسية مع الحزم الحاسم، تاركاً لمن يشاء أن يفهم ذلك التعليق على النحو الذي يتفق مع مصالحه ومع مواقفه من القضايا العربية الكبرى.

قال جلالته :

إننا دائماً نحب أن نستبعد الاحتمالات السيئة، ونحب أن نفسح المجال بيننا وبين الدول المؤثرة في قضايانا المصيرية عن طريق الحوار والاقتناع، ونود أن يدرك العالم كله معنا هذه الرغبة الصادقة لدينا في إقرار أمنه واستقرار اقتصاده وعدم تعريض الدول المستهلكة للنفط إلى اضطراب اقتصادي ينعكس مردوده على العالم بأجمعه.

وليس معنى ذلك أن ندخر أي سلاح نستطيعه إذا وصلت قضايانا إلى مرحلة (اليأس) من الحل العادل، وإذا عجز الوسط الدولي عن إدراك نوايانا الحسنة، فإن الأمر حينذاك إلى استعمال كل سلاح يسعنا استعماله، وحينئذ نبذل الدم، الذي هو أغلى من النفط، بل أغلى ما في الحياة.

وفي أواسط العام 1401هـ (1981م) شغل العالم عدة أشهر بما عرف بـ (صفقة الأواكس) وهي طائرات الرصد الإلكترونية المتقدمة التي رغبت المملكة العربية السعودية في اقتنائها لحماية أجوائها الشاسعة، مع معدات متطورة تزيد من كفاءة طائرات (إف-15) في القوات الجوية الملكية السعودية.

أيامها أثارت الدوائر الصهيونية في الولايات المتحدة ضجة كبرى لتعطيل هذه الصفقة والعمل على عدم إتمامها، ولكن الموقف الحازم الذي وقفه فهد في هذه القضية، وإعلانه بصريح العبارة أن بوسع المملكة الحصول على حاجتها من طائرات الرصد وأجهزته من أي مكان من العالم، جعل الحكومة الأمريكية تجابه تلك الضجة المصطنعة وتلبي طلب المملكة.

لقد أوجز فهد، إذ ذاك، موقف حكومة المملكة العربية السعودية بقوله:

بادئ ذي بدء أود أن أقرر أن شراء الطائرات والمعدات، مهما كان نوعها، هو عمل من أعمال السيادة، ولا نسمح لأحد بأن يمس حقنا في ممارسة سيادتنا، فحيث تكون السيادة لا مجال للاجتهاد وليعلم القاصي والداني ذلك، سواء الفئات الضاغطة في الولايات المتحدة أو الصحفيون المتصهينون أو الأبواق الإعلامية المأجورة في الغرب.

ولقد تابعنا، في المملكة العربية السعودية، الحملة المتصاعدة ضدنا منذ أسابيع من قبل العدو الصهيوني وعملائه في الغرب .. فتارة يقولون أن صفقة الطائرات تخل بميزان القوى في المنطقة، وأخرى يدعون بأن الصفقة ستزيد من سباق التسلح بين دول الشرق الأوسط، ومرة يطالبون بإلغاء الصفقة (عقاباً) للمملكة على موقفها من اتفاقيات كامب ديفيد، ومرة أخرى يعلنون أن طائرات (الأواكس) تستطيع رصد تحركات الجيش الإسرائيلي، وأن طائرات (إف-15) بمعداتها المتطورة تستطيع ضرب أية نقطة في فلسطين المحتلة انطلاقاً من أية نقطة من المملكة .. لقد تابعنا ذلك وأكثرت منه، ونحن نعجب أن منطقاً أعوج كهذا لا يزال يجد في الصحافة الأمريكية مساحات واسعة ليعبر عن نفسه .. هل يريدون أن يقولوا أن إسرائيل التي تحتل بقوة السلاح كل أراضي فلسطين من البحر إلى النهر، إضافة إلى أراض عربية أخرى، وتقوم بالاعتداء يوميا على الشعبين الفلسطيني واللبناني جواً وبراً وبحراً بأحدث الأسلحة الفتاكة وتعربد في أجواء بيروت وصيداً وصور والنبطية والعبثية بطائراتها مسببة الموت والدمار للاجئين الفلسطينيين في المخيمات، والمدنيين الامنين، وتستهتر بإرادة المجتمع الدولي وقرارات الأمم المتحدة، وإسرائيل هذه أصبحت تولول وتقول أن السعوديين يهددون أمنها وأنهم أخلوا يميزان القوى؟

إنه مما يثير السخرية أن أعضاء مسئولين في الكونجرس الأمريكي يرددون هذا الكلام ضمن حملة صهيونية متناغمة ومتناسقة .. ليت هؤلاء الأعضاء يقومون بزيارة للجنوب اللبناني ليروا بأم أعينهم من يهدد من، ومن يعتدي على من، ومن يقتل من، لقد بلغت المهزلة ذروتها بالكلام الذي قاله ((بيجين)) في مجلة ((تايم)) إذ قال بالنص : ((إذا ما تمت الصفقة فسيكون اليوم الذي تتم فيه أسوأ يوم في تاريخ الولايات المتحدة وإسرائيل والعالم الحر، وستكون الصفقة أخطر شيء يحدث لإسرائيل)) .. فليعلم ((بيجين)) وأبواقه أن الصفقة جزء من خطة بناء جيش سعودي عصري يستطيع القيام بواجباته، ولن يثنينا عن المضي في خطتنا هذه الأصوات النشاز التي ترتفع للتشويش والتعكير، لأن أبواب العالم مفتوحة أمامنا.

وكان الموقف الذي وقفته المملكة العربية السعودية من قضية أسعار البترول وحجم الإنتاج في دول (أوبك) موضع تقدير العالم كله، فلقد أعلن جلالة الملك فهد في مناسبات كثيرة ضرورة تنفيذ مقررات (أوبك) بشكل يمنع تعريض الاقتصاد العالمي إلى خطر التضخم والانهيار، وكان يرى دائماً أن كل زيادة اعتباطية في أسعار البترول سوق تقابلها زيادة تلقائية في أسعار المواد المصدرة من قبل الدول المستهلكة للبترول، وكان للموقف السعودي الحاسم – بصفتها أكبر منتجي (أوبك) – دوره الحيوي في تثبيت أسعار البترول وضبط الإنتاج، وتحملت في سبيل ذلك تضحيات كبيرة، حفاظاً على تماسك دول (أوبك) وتوكيداً لسياستها الدولية التي تأخذ مصالح العالم، ككل، بعين الاعتبار.

الملك فهد  على موقع ملوك السعودية

الخط الزمني للملك فهد