أختتمت مساء الخميس الماضي، سلسلة الندوات العلمية عن «تاريخ الملك فهد بن عبدالـعـزيـز»، بندوة «الروايات والذكريات» والتي ترأسها صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن فهد بن عبد العزيز. واسـتـعـاد الـدكـتـور فـؤاد بن عبدالسلام الـفـارسـي وزيـر الـحـج الأسبق، والشيخ عبدالله النعيم الأمين العام لمدينة الرياض في عهد الملك فهد، ومعالي الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ وزير الشؤون الإسلامية والأوقـاف والـدعـوة، مواقف جمعتهم بخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز «رحمه الله»، موضحين مناقب ومآثر «الفهد»، وسيرته العطرة. في بـدايـة الـنـدوة، رحـب صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن فهد بالمشاركين والحضور،
ووجه سموه الشكر لدارة الملك عبدالعزيز. وأشار سموه إلى أنه سيكون لتلك الجهود المباركة أثر متمثل في مركز المعلومات بمؤسسة الملك فهد بن عبدالعزيز الخيرية، لافتاً إلى أن تذكرنا قائداً قوياً مؤمناً هو بمثابة مصدر إلهام لنا ولأبنائنا في المستقبل. واستهل الدكتور فؤاد بن عبد السلام الفارسي وزير الحج الأسبق، الحديث موضحاً أنه عاش ذكريات خاصة جدا مع الملك فهد، وهذه الذكريات عكست الكثير من صفاته وأخلاقياته «رحمه الله»،
وقال إن الملك فهد «رحمه الله» أراد معاتبني على أمر لم يعجبه، في اتصال هاتفي، وقبل أن يتحدث كان «رحمه الله» حريصا على أن أكـون بعيدا عن مسمع عائلتي كي لا يحرجني، وهذه الشفافية والحساسية والرقة في المعاملة لا تصدر إلا من إنسان حكيم قبل أن يكون ملكاً. وأضـاف: أن الحـديـث عـن الملك الذي طور وحدث البلاد لا يحتاج إلى شـواهـد، ويكفي أن نسترجع مواقفه مع الدول العربية والإسلامية لنعرف أنـه كـان مـهـتـمـاً وحريصاً على لم الشمل العربي، وموقفه من القضية الفلسطينية، والأشقاء اللبنانيين، والقضية الأفغانية، وقضية البوسنة والهرسك، وحـرب الـعـراق مـع إيـران وتحرير الكويت،
مؤكداً أن هذه المواقف كافية لتخليد سيرته المطرة في التاريخ. وأوضح أن الملك فهد «رحمه الله، طلب منه يوماً أن يرافق وفداً ليبيا من عشرة أشخاص في جولة داخل المملكة. وحرص أن تكون جولة في عدة مناطق
وكان يهدف أن يطلع الليبيون على كيفية استفادتنا من نفطنا داخلياً، وأضاف: صحبتهم إلى الجبيل الصناعية ليشاهدوا معامل تحلية المياه، والأنابيب التي تغذي مدينة الرياض والمناطق التي تصلها التحلية، فاندهشوا من المنشأت الكبيرة والتقنيات الحديثة، وحين دخلوا إلى المعامل كان وقتها موجود أحد المهندسين السعوديين الشباب، فزادت دهشتهم من ذلك، وكان ضمن الوفد وزير التخطيط الليبي والذي سأل ي حضرة خادم الحرمين الشريفين قائلا: قبل بدءكم بهذه المشاريع، هل قمتم بدراسة التكلفة الاقتصادية لها ودراسة الجدوى منها؟ فأجابه الملك فهد: «الجـدوى الأهـم والأساس لكل المشاريع مصلحة المواطن السعودي.. وختم «الفارسي» حديثه بأن ما ذكره قطرة من ماء، وأنه لن يوفي الملك الراحل حقه، مؤكداً أنه يدعو له في كل صلاة
من جانبه، روى الشيخ عبدالله العلي النعيم الأمين العام لمدينة في الرياض في عهد الملك فهد، بعض المواقف والذكريات التي جمعته بخادم الحـرمـين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز ورحمه الله،، واستهل حديثه مؤكداً أنه سيسرد حقائق ووقائع عديدة ربما يستغرب الكثيرين أنها دارت بين بحجم ومكانة «الفهد، وموظف بحجمه. وقـال «الـنـعـيـم»: «بعد تعييني بالأمانة، ذهبت إلـى الـديـوان الملكي لأتقدم بالشكر إلى مقام الملك فهد، رحمه الله، على هذه الثقة، وعندما تشرفت بلقائه، رحمه الله، قال لي مبتسما باللهجة العامية: ورطـوك، واستدرك الملك فهد مطمئنا لي قائلاً: نحن معك ولا تتوقف أبداً».
وأضاف «النعيم» أنه في يوم ما كان عائداً العاصمة الأردنية عمان بعد حضور مؤتمر هناك وكـان في فصل الشتاء، وتحدث إلى الملك فهد حينها وقال له إن العاصمة عمان تعاني من مشاكل في الطرق لأن الثلوج الشتوية دمرت سفلتة الشوارع، وهـم بحاجة إلـى الـعـون، وسـألـنـي الملك فهد كم تحتاج؟ هل يكفي عشرة؟، وسألته يكني إن كانت بالدولار، وقال تم لك ذلك بشرط أن تسلمها بنفسك.. وفعلاً قمت بتسليمها بنفسي لرئيس الحكومة آنذاك.
ومضى «النعيم» في سرد ذكرياته الـتـي تـبـيـن مـآثـر «الـفـهـد» ومـواقـفـه العظيمة تجاه شعبه، قائلاً: «وصل الأمـانـة خـطـاب عن أرض كبيرة في منطقة حلة القصمان، وتحدثنا مع الملك فهد بخصوصها ، فاستدركني بعد فترة، مؤكداً «رحمه الله» أن هذه ليست أرض، وإنما هي منطقة كبيرة وممتدة ومقام عليها بيوت وشوارع ومحلات، وحين تباحثنا في الأمر وجدنا خطاب من صاحب الأرض موثق فيه أنه باعها ي وقت مضى للملك سعود «رحمه الله» بمبلغ ١٠٠ ألف ريال، وبعد التفكير في هذا الأمـر قـال لي الملك فهد: لأنه لا ذئب للناس الذين استوطنوها وعاشوا فيها، يترك الأمر ويتم تعويض صاحب الأرض..
وأضاف «النعيم»: أيضاً حدث أنه حين تم التفكير بمنح أراضـ لـذوي الدخل المحدود في منطقة «العريجاء» جـنـوب غـرب الـريـاضـ، وحـين تم الإعـلان عن ذلك وبـدأ المواطنين في تعبئة استمارات الطلبات، وبعد عمل المخططات لها، ظهر من يقول إن هذه الأراضي لها صكوك، وأصبحنا في مشكلة، فاستشرت الملك فهد في الأمر وأخبرته بما حدث فقال جازما: «وزعها دون تراجع عن الأمر، فقلت له سيأتي من يطالبنا بها، ولم يتراجع الملك فهد، وقال: وزعها على من يستحقها، ومن له مطالبة فليطالبني وسيتم تعويضه عنها، موضحاً أنه تلقى اتصالا من «الفهد» بعد أن سمع «رحمه الله» أنه تم وضع شروطا للأراضي وأن هناك استمارتين، بعضها يجيز البيع وبعضها لا يجيزه، فاتصل «رحمه الله» وقال إنه لا يريد أي شروط عليها، فقلت له إن بعضهم ربما يبيعها لشراء سيارة أو يبيعها ليتزوج، فقال «رحمه الله»: ليفعلوا بها ما يريدون.
وفی جانب آخر من الذكريات يروي «النعيم، أنه يوما قدم استقالته من أمانة مدينة الرياض لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، حين كان «حفظه الله، أميراً لمنطقة الرياض، فمانع وقال إنه سيعرضها على الملك فهد ، ووافقت بأن يوصي «حفظه الله» لي بذلك، وطلبني – الملك فهد، وقـال لي «رحـمـه الله»: أعرف ما هي المشاكل التي تواجهها، فهل رأيتني أنصر أحداً عليك؟، فقلت له على الإطـلاق، فقال لي باللهجة | العامية: إذن «أنثبر»، أي إلزم مكانك، ويستدرك «النعيم، قائلاً: أنثبرت، موضحاً أنه بعد وصوله للبيت اتصل به الملك سلمان، وكان «حفظه الله» آنذاك أميراً للرياض، بخصوص اللجنة العليا لتطوير مدينة الرياض، وطلبت منه مهلة أسبوعين لنكون مستعدين أكثر للاجتماع، وطلبت من مجموعة من الزملاء في الأمانة حينها إعداد مخططات وأن يـحـددوا الاحتياجات والتكلفة التقريبية،
وفعلا عملت اللجنة خلال الأسبوعين عملا غير اعتيادي، وحضر الملك فهد الاجتماع والأمير ا متعب بن عبدالعزيز، وقد طلب سموه أن تكون هناك حديقة في موقع مناخ الملك عبدالعزيز، وفعلا تم ذلك، وهي حديقة المناخ وتقع جنوب الرياض على أن الدائري الجنوبي، وكنا تناقش التطوير الـ في الرياض وأبلغناهم أن الميزانية تكلف على الأقل ستة بلايين وعشرة مليون ريال، وقام أحدهم بدس ورقة للملك وكتب عليها: مشاريع كهذه تحتاج إلى لجنة لمناقشتها وعظمة المشاريع ،وعلى الرغم من انزعاجي من هذا الأسلوب ،قلت إن الهينه العليا لتطوير مدينة الرياض فيها وزراء يمثلون الدولة، فلماذا لا تجعل مناقشة الأمر من ممثلي الوزارات مع هيئة تطوير الرياض، وفعلا تم ذلك، ورصدت لها نفس الميزانية التي طلبناها
ويمضي «النعيم، في سرد ذكرياته بخصوص تطوير حديقة الحيوان، موضحاً أنه تحدث مع الملك فهد بخصوصها، ورسي المشروع على مقاول ب ۱۰۰ مليون ريال، فقال الملك: لماذا لا تكون هذه الميزانية لمنتزه – اليمامة، فقلت لها إن للثمامة روادهـا الذين يملكون السيارات للتنزه، ولكن هذه الحديقة للمواطنين الذين يرونها قريبة ومتنفسا لهم، وأغلبهم من الفقراء، فوافق «رحمه الله» على ذلك.
واختتم «النعيم» حديث الذكريات، موضحاً أن ما لمسه من خلال المواقف التي جمعته بـ «الفهد» أنه شخصية حذرة جداً من خلال مراقبة الله عز وجـل، وأنـه يملك الجـرأة في الحـق، والنزاهة ونظافة اليد والنية الطيبة، مؤكداً أن هذه أمور جعلته قائداً متميزاً.
واستهل معالي الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة، حديثه، مؤكداً أهمية الرصد التاريخي ، الجيل ممن عاصروا حياة الفهد»، عن طريق التدوين التاريخي، مشيراً إلى ضيف هذا الرصد. وأوضح «آل الشيخ، في بداية حديث الذكريات عن «الفهد، أن الملك فهد «رحمه الله»، بعد مبايعته اتضح له أن أكبر تحدياته يكمن في تحقيق معادلة صعبة جدا، وهي تحقيق التوازن بين التطوير والتحديث والمحافظة على الهوية والثوابت والقيم الدينية، مؤكدا أن هذا كان مساره في كل مشاريع التنمية والتحديث في الوطن
وأشار إلى أن الأمير سلطان بن عبدالعزيز «رحمه الله» قال يوما: إن الملك فهد قـام بـأمـور عظيمة، ولكن أهمها إنشاء مجمع طباعة المصحف الـشـريـف، والـتـي وصـلـت في وقتنا الحاضر إلى 300 مليون مصحف تم توزيعها في أنحاء العالم، إضافة إلى توسعة الحرمين الشريفين التي هدف من خلالها الملك فهد «رحـمـه الله» بربط المسلمين بالمقدسات الدينية، أما الأمر الثالث فهو تحديث أنظمة الحكم. وأكد «آل الشيخ» أن التوازن الذي انتهجه الملك فهد «رحمه درس في الحفاظ على الهوية والعقيدة والـثـوابـت، ولـيـأتـي بعـدهـا التطوير والـتـحـديـث بمـا لا يتناقض مـع هـذه الروح.
وأضاف آل شيخ : مترجعاً أحد المواقف الطريفة لخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز «رحمه الله»، أنه في أحـد الأيـام زار للملك فهد بصحبة والده الذي كان رئيساً لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأثناء الزيارة سأله «الفهد» عن دراسته للدكتوراه وهل انتهى منها، فأخبره أن تكليفه بأعباء الوزارة جعله يؤجل هذا الأمر، فقال له «الفهد»: لقد منحت شهادتين دكـتـوراه، ويمكن أن تأخذ إحداها.