ليس من السهل أن يقف المرء على ذكريات له مع أشخاص رحلوا.. ارتبط بهم على مدى أكثر من ٣٠ عاماً، خاصة إذا كانوا ممن صنعوا التاريخ وصارت لهم بصمة واضحة – تاريخ الإنسانية.. فكذلك الحال مع سائق الملك فهد الشخصي رحمه الله»،، صقر بن محمد العواجي، الذي كان لازم « الفهد »، في حله وترحاله منذ أن كان ولياً للعهد.
كان معرض «الفهد.. روح القيادة»، بالنسبة له مصدراً للأشجان والذكريات المختلطة ما بين لحظات سعادة ولحظات حنين، لم تكن جولته داخل المعرض خلال زيارته له أمس، عادية، فكان سائق الملك فهد يقف كثيراً أمام كل صورة ومقطع صوتي وشاشة سينما، بينما كانت مقتنيات «الفهد» الشخصية تثير في ذاكرته الحنين لزمن الفهد، الجميل.
يقول «العواجي» سائق الملك فهد: «لم أتمالك نفسي عندما رأيت سيارات «الفهد» في المعرض, والتي كنت أقودها وهو معي، فكم من الذكريات والأمور التي حدثت داخلها شعرت بأن يد تخنقني والعبرات ستسيل من عيني، فجميع السيارات معروضة عدا سيارة «أولدزموسل»، فكانت سيارته الخاصة التي يحب أن يقودها بنفسه في البر، فقد كان قائداً ماهراً.
واستحضر سائق الملك فهد ذاكرته مبتسماً، حين تذكر موقفاً مر به حين كان مع «الفهد»، قائلاً: «عندما تولى الملك فهد، «رحمه الله» مقاليد الحكم، وفي يوم من الأيام كنا في مدينة جدة، ودعا أعيان مكة المكرمة الملك فهد لزيارتهم وحضور وليمة للعشاء، وحينها تحركنا من جدة قبيل الغروب، وطلب مني الفهد ، ر«رحمه الله» ،تقويم أم القرى، وقال لي: بقي على الآذان ١١ دقيقة وأنا أرغب أن أصلي المغرب في مكة، فشعرت بالخوف لمجرد تخيل السرعة التي سأقود بها،.
ويضيف سائق الملك فهد ضاحكاً: ما أن طلعنا على الخط السريع إلا وقال لي «رحمه الله: اسحب يا صقر، وفعلاً قدت بسرعة جنونية، علماً بأنه يوجد بالسيارة جهار لاسلكي مربوط بالحرس الملكي الذين كانوا يتصلون علي باستمرار طالبين مني أن أهدئ السرعة، فأمرني «رحمه الله»، بفصل الجهاز، فقمت بفصله، ويومها وصلنا مكة المكرمة والمآذن تصدح بـ «حي على الفلاح»، وذاك يعني إني قطعت المسافة ١١ دقيقة فقط وكان أمير مكة أنذاك الأمير الراحل ماجد بن عبد العزيز في استقبال الملك، واجتمع حولي الحرس الملكي، يلومني على ما فعلت، فقلت لهم أتني نفذت أمر الملك ولم أستطع أن أرفض.
ومن المواقف الأخرى التي استحضرها سائق الملك فهد ولا زالت عالقة بذهنه، أن ات فهد «رحمه الله»، كان يستقبل شيوخ القبائل والمواطنين للسلام عليه كل يوم ثلاثاء، ويومها دخل شيوخ القبائل وجاء دور المواطنين، فصرح أحدهم من آخر من أدخل على الله ثم عليك يا طويل العمر من الظلم.. فطلب «الفهد» من الحرس أن يحضروه، وجعله ينتظر بالقرب منه، وبعد أن أنهى المواطنين السلام عليه وخرجوا، وبقي الشيوخ فقط، سأله الفهد عمن ظلمه وهل قضيته في المحكمة، فقال المواطن إنه مطلوب منه مبلغ ٦٠ ألف ريال، فسأله «الفهد» هل هذا هو الظلم الذي تشتكي منه، فأجاب المواطن بالإيجاب.
فقال الملك فهد «رحمه الله»: أنت من ظلم نفسك والطريقة التي دخلت بها لا تليق، ولكن أشكر الله لوجود شيوخ القبائل كي لا تعاقب على أسلوبك الذي دخلت به، فكان بإمكانك طلب المساعدة من المواطنين وأنا واحد منهم دون أن تتبلى هكذا بالظلم.
ويكمل سائق الملك فهد: وعندما خرج الرجل من المجلس طلب مني الملك أن ألحقه وأعطية ١٠٠ ألف من خزنة السيارة، وفعلاً لحقت به وأعطيته ما أمرني به «الفهد»، فقد كان «رحمه الله» يحرص على أخذ مبالغ مالية معه بالسيارة للظروف الطارئة، واذا ما وجد أي محتاج أو متعثر، فقد كان حريصاً على المواطنين، وأنه كان «رحمه الله» يشدد على المسئولين في كل لقاء أن يحرصوا على المواطنين ويساعدوا المحتاجين في حال تم التثبت من صحة حاجتهم.
وختم «العواجي» سائق الملك فهد حديثه، بالدعاء لقائد كان مهيباً حياً وميتاً، وحازماً.. يقود بعدل ولا يقبل بالظلم أو التقصير،، ر، ملتزماً بوعوده، متديناً، لا يخشى في الله لومة لائم.