حرص الملك فهد بن عبدالعزيز «رحمه الله» و بعد توليه مقاليد وزارة الداخلية في الثالث من شهر جـمـادى الـثـانـيـة عـام ١٣٨١هـ المـوافـق ١٨٦١/١٠/٣١م على استتباب الأمن والاستقرار. وشغل هاجس الأمن تفكيره «رحمه الله» منذ فترة توليه هذه الوزارة بعد وزارة المعارف التي تولاها لمدة سبع سنوات، وكان المراد أن تنعكس تجربته في تطوير التعليم على وزارة الداخلية الـتـي كـانـت أنـذاك بـأمـس الحاجة لبصمات «الفهد» في تدريب وتأهيل رجال وزارة الداخلية علميا وإداريا.

وبالفعل، كانت جهوده «رحمه الله» في وزارة الداخلية تمثل نقطة الارتكاز التي قام عليها النظام الشامل لقوى الأمن في البلاد على اختلاف مهماتها ووظائفها ، لاسيما أن المهمة التي أوكلت له «رحمه الله»لم تكن بسهلة أو يسيرة، فـوزارة الداخليـة مـن أقـدم وزارات الدولة، فهي الوزارة الثانية التي أنشئت عند التأسيس بعد وزارة الخارجية، وهي أهـم وزارة على الإطلاق خاصة في المرحلة الأولى من تاريخ المملكة، حيث كانت تعمل على بسط الأمـن والاستقرار.

وكـان «رحـمـه الله» مـدركـاً أن بلاده بحجم قـارة، لذلك كان لابد من حشد كل الطاقات والإمكـانـات البشرية والمادية للحفاظ على وحدة البلاد، وحماية إنجازاتها وقواعدها السياسية والدينية والوطنية التي أرساها الملك عبدالعزيز «رحمه الله» بعد أن كافح طويلاً ومريرا، لذا عمل الملك فهد «رحمه الله» فور توليه هذه الوزارة، التي أمضى فيها ١٣عاماً، ليل نهار على تطويرها وتنظيمها وإدخال الخدمات إليها وتوسعة نطاقها.

وحـقـق هـذا الجـهـد والإخـلاص والمـتـابـعـة مـجـمـوعـة مـن الإنجـازات التي بدأت تتوالى بعد توليه مقاليد الوزارة مباشرة، حيث أعاد تنظيمها وفق أسس عصرية مواكبة للتطورات والتقنيات الحديثة مركزاً «رحمه الله» على التعليم لأنه أساس هذا التنظيم، فأنشأ كلية قوى الأمن الداخلي «كلية الملك فهد الأمنية» لتأهيل الشباب السعودي على المستوى الجامعي في العلوم التي تقتضيها أنشطة وزارة الداخلية والمسؤوليات المناطة بها.

ولم يكتف «رحمـه الله» بذلك، بل أنشأ العديد من المعاهد المتعلقة بأنشطة الـوزارة كـان أهمها معهد ضباط الصف والجنود ومعهد المرور ومعهد قيادة السيارات والميكانيكا ومعهد اللغات ومعهد التربية البدينة ومعهد الرماية الدولي، إضافة إلى تطوير الوكالات والأسلحة التابعة لها بحيث تكون منظومة أمنية متكاملة.

ونتيجة هذه المناشط التنظيمية تـولـت وزارة الداخلية، خلال المدة التي تولى فيها «الفهد» مقاليدها، مسؤوليات الأمن العام وخفر السواحل والدفاع المدني والجـوازات والشؤون الجنائية والشؤون البلدية وإمـارات المناطق وما يتفرع منها من تنظيمات، بالإضـافـة إلـى الـحـفـاظ عـلـى طـرق ضيوف الرحمن آمنة، وكذلك أموالهم وممتلكاتهم بعد أن يصلوا إلى المدينة
المقدسة.

وكان «رحمه الله» يعلم أن استقرار المملكة استقرار لبقية الدول الإسلامية،ومن ثم فقد بدأ همته بعزم وثبات، معتمدا على الله ثم على دعم الدولة وقادتها ومسؤوليها، لبناء قاعدة أمنية صلبة قادرة على ضبط السلوك العام، وحسم المنازعات والفوضى بشكل سريع وحاسم، وقادرة على حماية مكتسبات الدولة وحماية حدودها، والحفاظ على سلامة مواطنيها وقاطنيها، فسيادة الأمن ذات أبعاد نفسية واجتماعية وسياسية عميقة المدلول بالنسبة للأمم المتطلعة إلى النمو والنهضة، فالاستثمارات الخاصة بالشركات والمؤسسات والمنظمات الدولية تزهد في المغامرة داخل الدول غير المستقرة، ولن تجازف بأموالها ومعداتها في بلاد يغيب الأمن فيها.

وعـول الملك فهد «رحمه على تكريس جهود قوات الأمن والشرطة من أجل دعم ومساندة النظام القضائي، هذا النظام العادل الذي أصبح من سمات دولة الشرع والعدل والاتزان، وجعلت منه الصرامة في تطبيق شرع الله ميزاناً حقيقياً للعدل بين الناس، حتى إن الحـاكـم نفسه مـا كـان من الممكن أن يتدخل إذا تعلق الأمر بحق من حقوق الله.

ونتج عن هذا التطبيق الصارم لـلـقـوانـين الشـرعيـة اخـتـفـاء جرائم اللصوصية وقطع الطرق والسلب والنهب وجرائم الحق العام والفساد ســواء عـلـى مـسـتـوى الـجـمـاعـات أو الأفراد.