يوضح هشام ناظر «يرحمه الله» وزير البترول والمعادن السعودي «سابقا» لم تكن للملك فهد ساعات عمل محددة بل كان يسهر حتى أوقات متأخرة من الليل ليراعي مصالح شعبه وكان يجري اتصالاته بهم أحيانا حتى بعد منتصف الليل للسؤال عن مواضيع معينة أو عن مشاريع مختلفة، لذلك يجب أن تتوفر لدى وزرائه كافة المعلومات وتكون جاهزة لديهم أينما كانوا حتى يستطيعوا الإجابة بسرعة على الأسئلة التي كان يثيرها رحمه الله.

ملك يراعي مصالح شعبه في كل وقت بدون كلل أو ملل فقد كان يسهر ويسأل ويتصل حتى في أوقات متأخرة من الليل لينام أبناء شعبه مطمئنين ويبقى ساهرا على مراعاة مصالحهم وحل قضاياهم.

في تاريخ 29-10-1986 صدر أمر ملكي يقضي بإسناد مسؤولية جديدة لهشام ناظر، بتعيينه وزيرا للبترول والثروة المعدنية بالنيابة، بالإضافة إلى موقعه وزيرا للتخطيط. يقول ناظر:

“ذات أربعاء، وعند الساعة الحادية عشرة مساء، اتصل بي الملك فهد، رحمه الله، وتحدث معي عن أمور كثيرة، تنقل في أحاديث عن موضوعات لا تختص بعملي، حتى إنه وصل إلى الحديث عن كرة القدم. في ختام الاتصال، قال لي الملك بأنه سيعاود الاتصال بي عند الواحدة صباحا لغرض تكليفي بمهمة محددة. في تلك الليلة.

عند الواحدة صباحا، وخلال نشرة الأخبار، قرأ المذيع أمرا ملكيا يأمر بتكليفي وزيرا للبترول بالنيابة، بالإضافة إلى موقعي وزيرا للتخطيط مباشرة، وقبل أن أفيق من صدمتي، اتصل بي الملك كما وعد، وسألني: ما رأيك الآن؟!

فقلت له بأنْ لا رأي لي، سوى أنني سأفعل ما بوسعي بخصوص التكليف الجديد، وأمرني بأن أسافر إلى المدينة، لأرافقه من هناك إلى مؤتمر القمة الخليجية في الإمارات وانتهى الاتصال عند هذا.

سافر هشام ناظر إلى المدينة بناء على طلب الملك فهد، والتقاه في قصره، في المدينة المنورة، في تمام الساعة الـ11 مساء.

يومها، وعلى ما يروي هشام ناظر، قال له الملك بأن مكانته عنده، هي كمكانة شقيقيه نايف وسلمان، وبأنه واثق من قدرته على القيام بهذه المهمة التي أوكلت إليه.

يومها، وبعد حديث مطول عن الوزارة وشؤونها، أشار الملك فهد، إلى أن دعوة منظمة الأوبك للاجتماع، من شأنها أن تساعد على تحسين الأسعار، مؤكدا على وجوب وضع حد لحالة الفوضى القائمة في السوق.

فور وصوله إلى أبوظبي، التقى ناظر علي الخليفة الصباح وزير البترول الكويتي، من الساعة الحادية عشرة صباحا وحتى الواحدة فجرا، (14 ساعة) في محاولة لفهم ما يجري. يومها، وخلال الاجتماع، قال له الوزير الكويتي، بأن الحكومة الليبية تظن أن في مقدورها الضغط على السعودية سياسيا لتحقيق ما تريد، وبأن رئيس الحكومة الليبية عبدالسلام جلود، اتصل بولي عهد الكويت الشيخ سعد العبدالله الصباح، ليبلغه بأن لديه التزاما من المملكة يقضي بإلغاء جميع الاتفاقيات، حالما يتم الاتفاق على سعر 18 دولارا للبرميل.

تابع الوزير الكويتي حديثه لهشام ناظر قائلا: يعتقد الليبيون بأن السعودية تتجه لأمر من اثنين، إما تخفيض إنتاجها أو القبول بلعب دور المنتج البديل.

خلال الاجتماع، كان رأي الوزير الكويتي، مواصلة السعي إلى تحقيق حصة أكبر لـ”أوبك” في السوق، مع إعطاء الأولوية لدول الخليج.

بعد انتهاء الاجتماع، فهم ناظر من خلال حديثه مع وزير البترول الكويتي، بأن توترا يشوب العلاقة بين وزراء أوبك، وبأن اقتراح الوزير الكويتي، بضرورة التسعير بـ18 دولارا يعكس بالضرورة رغبة في أن ي كون السعر أقل، لخامات أوبك الأخرى. وهذا اقتراح سيدفع بالتأكيد كل من الجزائر، وإيران، وليبيا إلى الجنون!

مباشرة، كتب ناظر، إلى الملك فهد، ملخصا ما دار في الاجتماع مع وزير البترول الكويتي، فأمر الملك فهد بعقد لقاء مع بقية الوفد السعودي لمناقشة هذه المسألة، وهذا ما حصل، إذ ترأس الملك اجتماعا في جناحه في الفندق، وحضر الاجتماع كل من وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل، ووزير المالية محمد أبا الخيل، ووزير الإعلام علي الشاعر، ووكيل وزارة الخارجية عبدالرحمن المنصوري ووزير البترول هشام ناظر. خلال الاجتماع، أعطى الملك فهد تعليمات واضحة، منها إبلاغ الكويتيين بضرورة تطبيق السعر الذي يتفق عليه في اللجنة فورا، دون الحاجة لانتظار موافقة مؤتمر أوبك في الحادي عشر من ديسمبر.

كما أشار الملك إلى أن السعودية تود أن ترى أسعار البترول تصل إلى ما لا يقل عن 18 دولارا للبرميل، من دون مناقشة أي نقاط أخرى، أكان العائد الصافي أم غيره، وبأن على الوزير الكويتي، الاتصال بالأمين العام لـ”أوبك”، طالبا منه إطلاع جميع الأعضاء في المنظمة الموافقة على أن اللجنة -لا المؤتمر- تتفق على السعر، وإعلانه.

وأمر الملك فهد بأن يصدر الوزير ناظر، بيانا يدعو فيه لجنة الأسعار للانعقاد فورا، لتحديد سعر البرميل بـ18 دولارا.

عاد هشام ناظر واتصل بنظيره الكويتي، ليوافق علي الخليفة الصباح على الطلب.

عصر ذات اليوم، وكما يروي هشام ناظر، بأنه تلقى اتصالا من الأمير سعود الفيصل (وزير الخارجية)، يخبره فيه بأن الملك فهد وجه بإعداد رسائل إلى رؤساء الدول، وإرسالها إلى الدول الأعضاء، بالإضافة إلى كل من الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، والاتحاد السوفياتي، وأنغولا، وعمان، وماليزيا، والمكسيك، ومصر، والنرويج، طلب الفيصل من ناظر، صياغة الرسائل، ففعل هشام، واتصل بالفيصل بعد الانتهاء من تحضير النص لعرضه عليه.

بعد العودة من أبوظبي، كان على وزير البترول بالإنابة، أن يذهب إلى مكتبه في الوزارة، لأول مرة، منذ أن تسلم موقعه الجديد. ذهب ناظر، وتابع شؤون وزارته، إلا أن الحاصل في أوبك جعله لا يترك سماعة الهاتف متصلا ومتصلا به.

وجه الملك فهد هشام أن يقول للوزراء الذين يتحدث معهم، بأن ليس هناك من حاجة لعقد اجتماع آخر غير اجتماعي لجنة الأسعار، واجتماع المؤتمر في الحادي عشر من ديسمبر، ذلك أن أي اجتماع جديد غير الاجتماعين المتفق عليهما سيؤذي السوق ويتسبب في انخفاض الأسعار. وتابع الملك التأكيد، على أنه لا يجب إعطاء الفرصة للدول التي تريد لـ”أوبك” الانهيار.