شفافية وصدق وتلقائية مطلقة.. امتازت بها خطابات الملك فهد «رحمه الله» منذ أول يـوم تـولى فيه مقاليد الحكم في المملكة العربية السعودية، ومنحته «رحمه الله» كلماته وخطاباته، الـتـي ارتجـل معظمها بطريقة ودية ومباشرة، تذكرة دخـول عاجلة إلى قلوب وأذهان كل من سمعه، وقد تميزت خطابات «الفهد» بسمات عدة عكست سماته الشخصية «رحمه الله».
وقد اخترنا بعضا من بين عدد من خطابات وكلمات الملك فهد لنقوم من خلالها بقراءة بسيطة لملامح هذه الشخصية العظيمة.
خطابات الملك فهد تظهر الفهد، أخاً
نبض واحد جمع المملكة لحظة وفاة – الملك خالد «رحمه الله»، غصة الغياب كان الشعور الأوحد الذي طرق أفئدة الشعب السعودي، بدأ المشهد الحزين، وجثمان الملك خالد «رحمه الله» محمولاً على الأكتاف، رديفاً لحمل آخر حمله الملك فهد «رحمه الله» واضعاً نصب عينيه إكمال مسيرة أخيه، وجه خادم الحـرمـين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز «رحمه الله» كلمة إلى الشعب السعودي يواسيهم في فقد ملكهم، غير أن الكلمة التي ألقاها أبرزت شخصية «الفهد» ، أخـاً قبل أن يكون ولياً للعهد ثم ملكاً.
إذ بدا «رحمه الله» وهو يقرأ خطابه مجبراً على تجرع مرارة الفقد، يقف بعد عدد من الجمل وقد ألجمه الحزن وأثقلته اللحظة لاجئاً إلى نفس عميق يبحث في آخره عن لمحة سكينة، هـو«الـفـهـد» بألمه الـصـادق الـذي طل متأرجحاً في صوته ومجتمعاً في عينه. لم يـحـاول في خطابه أن يمنع نفسه من شفافيته المطلقة، ولم يـحـاول أن ينزع عباءة حزنه متظاهرا بالقوة، بل ظل على سجيته كأنما أراد أن يشارك حزنه مع شعبه كواحد منهم يشتكي لوعة غياب أخيه، موقف الحزن الداكن لم يصرف الفهد عن إيمانه الراسخ أحلام الزعيم ملتجئاً إلى بارثه أن يعينه على إكمال المسيرة وأن يجبر حزنه.
ورغم السنوات الطويلة التي مضت على ذلك اليوم، ظلت كلمات الفهد. مؤثرة وموجعة إلى يومنا الحاضر لشدة شفافيتها وصدقها اللذان ظلا منهما قادراً على الوصول إلى أعماق من يستمع إليها، «الفهد»، أطل بأخوته وإنسانيته وشارك وجعه وألمه لشعبه ليعطي درساً مميزا في وحدته مع شعبه وتناغمه معه كعائلة واحدة لها وجع واحد.
حبه للتسامح والسلام إبـان أحـداث حـرب الخليج وبعد احتلال العراق للكويت لم يكن الملك فهد بن عبدالعزيز يسعى إلى الحرب بقدر سعيه إلى السلم وتصفية الخلافات العربية وديا ، وظل الفهد يكرر محاولاته مبدياً إمكانية التسامح والرجوع إلى القواعد العربية دون خسائر تذكر، وقال «رحمه الله»، في خطاب ارتجله أمـام قـوات التحالف: «مؤتمر القمة العربية في القاهرة ناشد العراق أن تنسحب من الكويت، عوضاً عن الجهود المتواصلة بشكل جانبي ولم تخرج بنتيجة، الأمـور وصلت الأن إلى باب مغلق ولكن سيفتح إما بالطرق السلمية أو بشكل آخر والدفاع عن النفس حق مشروع، الأمر يعود ويستقر لدى صدام حسين هل يدرك أن الأفضل والأحسن أن يـعـلـن بـأنـه ســوف ينسحب من الكويت بدون أي قيود أو أنه مصمم على القتال وأرجو أن الله يجعله يفكر التفكير السليم الأفضل والأحسن والحل الأمثل. المطلوب أن تعاد العراق من الكويت وهذه القوات التي نراها الآن من مختلف الجنسيات أتت لتحرر بلد
من بلد احتلت آخر عسكرياً وبالقوة
«الفهد» استغل المناسبة في التأكيد على سياسة المملكة العربية السعودية الخارجية وإعطاء الحلول السلمية الأولـويـة وهـو مـا جعل «الفهد» يدعو لصدام حسين أن يرزقه التفكير السليم والملك فهد «رحمه الله» بالإضافة إلى كونه شخصية حازمة فإنه أيضاً محباً للسلام كارها للاعتداء والعدوان وهو ما ظهر في خطابه أيضاً إبان الأزمة العراقية، حيث قال: «المملكة الآن تعلن أنها لا تريد أن تعتدي على أحد ولم تفكر يوم من الأيام أن تعتدي على بلد عربي مجاور أو غير عربي ولا يخطر ببالها هذا الأمر وتمقت هذا الأمر، لكن وصل الأمر إلى حد الدفاع عن النفس وهو حق مشروع ولكن إلى الآن نرغب أن تعود الأمة العربية إلى الإطار النظيف الذي يرغب أن يصل إليه كل عربي، وأرجو من الله أن يسعدنا الحظ والعقل يتحكم والتفكير السليم يتحكم وتنتهي هذه الأمور بين الأمة العربية».
روح الدعابة في خطابات الملك فهد
لم تُغيب الأزمات وكثرة المشاغل روح الدعابة لدى «الفهد»، إذ كانت فطرته وسجيته حاضرة بطريقة تلقائية بعيدة عن التكلف لتخرج ابتسامته حتى في أحلك الظروف، وحين التقى الملك فهد «رحمه الله» قوات التحالف ارتجل كلمة لم يكن أعدها مسبقاً، غير أن الصحافة العربية والأجنبية طمعت في المزيد من الملك فهد الذي قال ممازحاً الحضور: «لا مهرب من وزير الإعلام». وقال الفهد: «ما كان عندي استعداد أن ألقي كلمة ليس عجزاً ولكن سبقونا رجالات العالم وكلهم أدلوا بدلوهم بالموضوع ولكن وجدت وزير الإعلام أمامي والمايكروفونات أمامي ومـا وجـدت مـهـرب وفي هـذا الـظـرف ليس أمامي إلا أن أستجيب لرغبة وزير الإعلام ولكن أرجوا اختصار الأسئلة».
«الحزم والمسؤولية»
عندما قرعت طبول حرب الخليج وبـاءت المـحـاولات السلمية في إزالـة الاجتياح العراقي للكويت بالفشل، لم يبق أي خيار غير انتزاع الحق بالقوة والدفاع عن النفس، في هذه المرحلة أعطى الملك فهد «رحمه الله» درساً في وحدة المصير والثبات فقال بوضوح: «بعد ما احتلت الكويت وبعد ما شفت ما حدث في الكويت عاد فيه كويت وسعودية صار في بلد واحـد يـا يبقون معاً أو ينتهون معاً وبثبات وتحمل قرر «الفهد» تحمل القرار، مؤكداً «المسألة لا فيها استشارة ولا تردد فيها إقدام على أمـر يجب أن نتحمل مسؤوليته».
التواضع والفخر بخدمةالحرمين الشريفين
لم تغر الألقاب الملك فهد «رحمه الله»، إذ اكتفى بشرف خدمة الحرمين لشريفين معتبراً أنها اللقب الأقرب إلى نفسه، حيث قال «الفهد»: «لقد طلبت من الأخ علي ، معالي الأستاذ علي الشاعر وزير الإعلام في منى أن لا يقول صاحب الجلالة، الجلالة لله عز وجل، وإنما أنا يشرفني أن تقولوا: خادم الحرمين، لأنها أفضل عندي من صاحب الجلالة ومن أي شيء، إن خادم الحرمين مفخرة، ونحن لا يزيدنا اسم ملك أو أمير، والصالح يفرض محبته على القلوب، والفاسد لا ينفع بشيء، وإذا كان مفيداً وبناء فالمواطنون يشدون أزره .
تدينه وحث الشباب على التمسك بالمنهج الإسلامي
حرص الملك فهد «رحمه الله» على حث الشباب السعودي على أن يكونوا قدوة حسنة واضعين نصب أعينهم نجاح الآخرة الدائم قبل نجاح الدنيا، ولهذا قال لبعثة المنتخب السعودي لكرة القدم في دورة بطل كأس آسيا الثامنة ١٤٠٥هـ: «ومع أنني أرجو لكم التوفيق والنجاح فيما أنتم ذاهبون إليه إلا أنه ليس المهم أن يكون الإنسان، الأول أو الثاني أو الثالث، لكن المهم هو أن يتمتع اله كل منا بثقة رب العزة والجـلال، وأن يعتبر أن النصر من عند الله، وليس من عند البشر. ومن المؤكد أننا إذا تمسكنا بعقيدتنا الإسلامية فإن النصر إن شاء الله سوف يكون حليفنا، في جميع أمـورنـا، وليس في الألعاب الرياضية فحسب، ولكن في جميع تصرفاتنا ! کبشر».
فقد أكد «الفهد» أن الـوازع الديني متى ما كان مرافقا للشباب سيحفظهم من الفتن ويجعلهم أقـرب إلى طريق مستقيم يشرفون فيه المملكة، ولهذا كان يحرص على متابعة بعثات المملكة الخارجية أيا كان نوعها وغرضها ويثني ، ويشجع المحسن منهم ويحتفي بتميز أبناء المملكة كونهم أنموذجاً إسلامياً عربيا إنسانياً مشرفاً أمام الغرب.
وقـد خـاطـب المـلـك فـهـد الطلبة السعوديين في أمـريـكـا قـائلاً: «من حسن الحظ وما سمعته من إخوانكم السعوديين الذين يزورون الولايات المتحدة أو من سفير المملكة أو من المسؤولين عن البعثة السعودية التعليمية سر خاطري كثيراً لأنكم ولله الحمد متمسكون بعقيدتكم الإسلامية وهذا فخر ونفتخر بهذا الأمـر لأنـه الأمـر القيادي والأساسي الذي جعلنا نصل إلى ما وصلنا إليه الآن. إن ممارسة العقيدة الإسلامية ما لها بلد معين ولا حدود معينة وليس لها إلا أوقات معينة ومحـددة بمواقيت، فالحمد لله أنني أسمع إنها تؤدى كما يجب وفي أوقاتها».
وأضاف «رحمه الله»: «ليس هناك إنسان يستطيع أن يفرض مثل هذا الأمـر على شخص معين ولـكـن قـوة إيمانه وقناعته التامة بأن المصير والمآل إلى رب العزة والجلال للخير أو للشر، فالقاعدة التي رسخت في ذهنية كل منكم سواء كان هنا أو في بلدكم هناك هي التي تجعل الإنسان دائماً يحترم عقيدة الإسلام, وينتظم فيها ويسير بخطى حثيثة لأن يبرز للآخرين أن عقيدته الإسلامية عقيدة بناء وليست هدم وعقيدة سلام».
اللين في خطابات الملك فهد
ولأن المخطئ يستحق الشفقة والنصح والإرشـاد حرص «رحمه الله» على الحث دوما على الطرق الأكثر تأثيراً في التوجه للنصح، وقد كان في هذا المجال مثالا لاتخاذ اللين واللطف منهجاً للنصح، وهذه السمة ظهرت في قوله «رحمه الله»: «إن تقويم الإنسان ونصح الإنسان هو الأفضل وقد يختلف حسب طريقة النصح في نظري، أنا في نصح في تشهير هـذا في نظري ما يعتبر نصحاً لأن أي إنسان يخطئ الطريق وتزل به القدم وتأتي وتقول له أمام الناس أخطأت وأنت اللي عملت وأنت اللي عملت وأعمل وأتسامح عنك إذا صار الموضوع مبتوراً لكن يمكن إذا أخذت شخصا بشكل أو بآخر فقط أنت وهو شخصياً ونبهته على الخطأ أنه كان الخطأ يخصك أنت شخصياً أو يخص المجتمع أو مجموعة أخـرى بحيث لا يسمع كلامك أنت وهو أحد أبداً. أعتقد أن هذه أبلغ في النفس لأنك أردت أن لا تجرح شعوره أمام الآخرين.. أنا أفضل هذه الطريقة وأعتقد أنها الطريق الأنسب والأصلح وهذا ما أمرتنا به العقيدة الإسلامية فواجب المسلمين التناصح ».