الملك فهد في شبابه نشأ هادئاً رصين التفكير، لطيف المعشر، سريع البديهة، وعرف منذ ذلك الحين وهو في سن الصبا بالتعلق بوالده الملك عبدالعزيز، فكانت تميزه خصلتان كريمتان عرفهما كل من عرفه فيما بعد صبياً وشاباً وكهلاً، تلك الخصلتان هما: الحزم في غير شطط أو عنف واللين دون تراخٍ أو تسيب.
الملك فهد والخيل
وقد أبدى الملك فهد في شبابه ومنذ طفولته الأولى شغفاً كبيراً بالحفاظ على التقاليد المرعية للأسرة السعودية الكبيرة، فكان شغوفاً إلى حد كبير بحب الخيل والتعلق بها، وإعداد مرابط لها إلى درجة أنه لا يذكر له فرس أصيل إلا حاول أن يشتريه وأن يغري مالكه بالتخلي عنه بأي ثمن، وكان وهو في سن مبكرة يمتطي الخيل، ويشارك إخوته وأعمامه في السباق الذي يقام بين فترة وأخرى بين يدي والده في مضمار الخيل القديم والذي يقع خلف بوابات الرياض الشرقية مباشرة، وكان مضمار السباق حينذاك يمتد ما بين مدخل بناء بستان الشمسية شمال الرياض الواقع في قلب أسواق الشمسية اليوم، إلى أن ينتهي بنهاية أسوار بساتين البطيحاء جنوب الرياض القديمة، و«البطيحاء» بستان نخيل واسع يمتلكه أبناء المرحوم سعد بن عبدالرحمن أخو جلالة الملك عبدالعزيز، ويقع نهاية المضمار اليوم بالقرب من كلية البنات جنوبي البطيحاء.
وكان الملك فهد في شبابه يشارك إخوته الكبار وأبناء عمومته وعدداً من الفرسان في السباق،
وكان الأمراء آنذاك والفرسان يمتطون صهوات جيادهم بأنفسهم عند انطلاق السباق في منظر أخاذ، حيث تصطف الخيول جنباً إلي جنب عند بدء السباق على مدى المضمار الشمالي، يستعرضون بها مهاراتهم الفروسية، حيث يطلقون تلك الرماح والبنادق في الهواء ثم يلتقطونها وهم على ظهور الجياد، قبل أن تهوي إلى الأرض عند صرخات المشجعين والمشاهدين، وبلغ من حب الملك فهد في شبابه للفروسية وتعلقه باقتناء الخيل آنذاك أن أصبح يملك مربطاً مشهوراً في جنوبي الرياض، يملكه مع أخيه الأمير عبدالله بن محمد بن عبدالرحمن، ويقع ذلك المربط قرب مربط الأمير محمد بن عبدالعزيز، وكلا المربطين يقعان فيما يعرف اليوم بمسجد العيد جنوبي الرياض.
وكان الملك فهد في شبابه يملك فرساً مشهورة بلغت شهرتها حداً كبيراً وقد أقيم في حياة الملك عبدالعزيز حفل سباق حافل كسبت به تلك الفرس فوز السبق بين خيول كثيرة لها شهرتها وكان يمتطيها في ذلك السباق أحد أتباعه ويدعى «الهيلم» من فرسان العجمان من آل سفران، فأجزل الملك عبدالعزيز رحمه الله لصاحبها الجائزة لتميزها فتبرع بالجائزة للفارس، وانهالت على الفارس من المشاهدين والمعجبين بتلك الفرس الجوائز الكثيرة إعراباً عن إعجابهم بالفرس وحركات الفارس.
زواج الملك فهد
وعندما بلغ الفتى الملك فهد في شبابه السادسة عشرة من عمره سنة 1356هـ الموافق 1937م اختار له والده ابنة عمه الجوزاء ويدعونها «جوزاء» بنت الأمير عبدالله بن عبدالرحمن أخي الملك عبدالعزيز فتم زواجه منها، لكن ذلك الزواج لم يدم طويلاً، ثم تزوج بعد فترة من ابنة عمه تركي بن عبدالله بن سعود آل فيصل ثم تزوج أخرى بعدها من أخواله آل السديري الكرام، وأخيراً تم زواجه من ابنة عمه العنود بنت عبدالعزيز بن مساعد ابن جلوي التي أنجبت له عدداً من البنين والبنات وهم: فيصل الرئيس العام السابق لرعاية الشباب رحمه الله، ومحمد أمير المنطقة الشرقية السابق، وسعود نائب رئيس الاستخبارات العامة السابق، وسلطان الرئيس السابق لرعاية الشباب، وخالد وهو رجل أعمال، أما ابنه الأخير الأمير عبدالعزيز فهو من الأميرة جواهر بنت الأمير إبراهيم بن عبدالعزيز آل إبراهيم، وقد شغل منصب رئيس ديوان مجلس الوزراء قبل أن يعفى من هذا المنصب بناءً على طلبه ويكتفي بعضويته في مجلس الوزراء.
المهام التي تولاها الملك فهد في شبابه
وما دمنا بصدد الحديث عن طفولة هذا العاهل فلابد أن يمتد بنا الحديث إلى عهد الملك فهد في شبابه، وقبل أن يشغل مناصبه الرفيعة في عهد والده ثم في عهد إخوته الملوك: سعود وفيصل وخالد، الذين شغل في عهودهم مختلف المناصب الحساسة وحمل مسئوليات جساما ما جعله الملك الأكثر خبرة واستعداداً في تاريخ هذه الدولة.
فقد كان الملك فهد في شبابه يقوم بمعالجة الكثير من شؤون البادية والحاضرة بأمر من والده مما أكسبه خبرة ظهرت قيمتها عند تولي مسئولياته الجسام بعد ذلك.. وكان وهو شاب لم يتجاوز الرابعة والعشرين من العمر إلا بقليل قد كلفه والده بمرافقة أخيه الأمير فيصل إلى الاجتماع التأسيسي لهيئة الأمم المتحدة في سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة الأمريكية في 16 رجب عام 1364ه الموافق 26 يونيو 1945م ثم بعد ذلك بعثه والده الملك عبدالعزيز ليمثل المملكة العربية السعودية في حفل تتويج ملكة بريطانيا، وعندما توفي الملك عبدالله بن الحسين مغدوراً به في القدس سنة 1367هـ 1948م بعثه الملك عبدالعزيز نيابة عنه ليحضر الصلاة عليه ويشارك في العزاء مع رؤساء الوفود العربية التي شاركت في دفنه وتقديم العزاء لذويه، ثم بعث في مهمة مماثلة عند وفاة الشيخ أحمد الجابر الصباح نيابة عن والده للتعزية وتهنئة الحاكم الجديد.