أن الأزمة الخطيرة الأولى في منطقة الخليج عقبت قيام الثورة الإيرانية وسقوط الشاه.

الأمير بندر بن سلطان السفير السعودي السابق في واشنطن: (كان هدف الملك فهد في ذلك الوقت كان ولي عهد، هو الهدوء والاستقرار ومحاولة أولاً فهم عقلية القيادة الجديدة اللي جت في إيران ثانياً تشجيعهم بالكلمة الطيلة تطمينهم أن هذا قرار شعب إيران مالنا دخل فيه)

لقد أظهر النظام الجديد في إيران بعد الثورة الإيرانية طموحات خارج حدود بلاده وأصبحت سياسته فرض نظامه على الدول الأُخرى وعزمه على تغير الأنظمة الأُخرى في المنطقة.

د. غازي القصيبي وزير العمل السعودي السابق: (عندما بدأ الإمام الخميني يتحدث بتصدير الثورة الإيرانية، عندما أتضح أنه لا يكتفي بتغيير الحكم في إيران وانما يريد أن يكون مصدر ثورة إسلامية تمتد إلى كل محل في العالم الإسلامي، هنا بدأ التخوف)

وبدأت بعد الثورة الإيرانية أطراف إيرانية بمحاولات تغير الأوضاع السياسية في دول عديدة بينها العراق ودول الخليج، ا يران صارت تشكل خطراً على أمن دول المنطقة لتبنيها سياسة دعم التغير بالقوة.

الحرب الإيرانية العراقية

وكانت أكثر الإشكالات السياسية الإيرانية بعد الثورة الإيرانية مع العراق إذا تزايدت هناك النزاعات العسكرية حول الحدود، وقال العراق أن أعمالاً تخريبية تحدث داخل بلاده وأتهم إيران بتدبيرها وأعتبر الرئيس العراقي صدام حسين ذلك تهديداً حقيقاً لنظامه.

الأمير بندر بن سلطان السفير السعودي السابق في واشنطن: (سأل الملك فهد عن رأيه ونصحه الملك فهد أنه ما يلعب بالنار ولا يغامر وأن إيران الان فيها ثورة ومشغولة بنفسها من الداخل)

د. غازي القصيبي وزير العمل السعودي السابق: ( فقال له صدام حسين لأن الخميني يمثل خطر علينا، إذاً أنت أحشد قواتك وأستعد وإذا هاجمك تستطيع أن تدافع عن نفسك ولكن لا تبدأ بأن تهاجم دولة أكبر منك عدداً وأكبر منك مساحة ولا يغرنك ما تراه الان من تفرق بين قادة إيران)

الأمير بندر بن سلطان السفير السعودي السابق في واشنطن: (للأسف صدام رفض النصيحة وأصر على استغلال أي فرصة استفزاز، وكان يقول وقتها في خلال شهر حروح أوصل طهران وأجر الخميني بلحيته وأرميه برا، فكان الملك فهد يقوله يا أخ صدام لا تجر الخميني بلحيته ولا نأمل أنه يجي يجربك بربطة عنقك، أنا أنصحك تجنب المخاطرة)

ولكن وبالرغم من جهود ولي العهد الأمير فهد في تهدئة الأمور اندلعت بعد الثورة الإيرانية نيران الحرب بين العراق وإيران وفي البداية كان النجاح حليف العراقيين، إلا أن إيران استعادة قوتها وفجأة بدأت تحقق انتصارات كبيرة.

د. غازي القصيبي وزير العمل السعودي السابق: (خلال الحرب هذه الرئيس العراقي قال للملك ليتني استمعت لنصيحتك بالدرجة الأولى)

دعم دول الخليج للعراق

بعد انتصار إيران الأولي أعتقد الجميع أنها ستتوقف إلا أن الحرب أستمرت بعنف ووحشية، وسعى الملك فهد لوقف إطلاق النار إلا أن إيران قررت التقدم داخل الأراضي العراقية.

د. غازي القصيبي وزير العمل السعودي السابق: (في الواقع الأمام الخميني عالج الخطأ بخطأ أخر أصر على تأديب النظام العراقي والانتقام منه فلم تقف القوات الإيرانية عند حدودها إنما دخلت داخل العراق، ودخلت داخل البصرة واحتلت منطقة الفاو وكان بالإمكان أن تسقط البصرة في أي لحظة، هذا أدى بالرئيس العراقي إلى أن يحشد أسلحة وأن يطور أسلحة، ربما لم يفكر بتطويرها مثل الصواريخ والأسلحة)

ولم تستطع دول الخليج الوقوف مكتوفة الأيدي بينما الحرب تهدد حدودها الشمالية.

د. غازي القصيبي وزير العمل السعودي السابق: ( عندما وصلت الأمور إلى منطقة كان الواضح فيها أن العراق بدون دعم سوف تسقط وربما تمتد إيران إلى العراق ثم إلى بقية المناطق، وقفت المملكة العربية السعودية مع العراق)

وقررت السعودية ودول الخليج دعم العراق منعاً لسقوطه أمام القوات الإيرانية بعد الثورة الإيرانية.

الأمير بندر بن سلطان السفير السعودي السابق في واشنطن: (بنينا ميناء كامل مخصوص بس للعراق، بنينا طرق high way كاملة للمعدات العراقية، وقفت المملكة العربية السعودية والملك فهد مع العراق كانت وقفة مشرفة وكان صدام كان دايم يقول العرب الاصيلين هم السعوديين، والعربي الأصيل هو فهد بن عبد العزيز كقائد)

وكانت هذه المعدات تصل إلى العراق بشكل سري فإن الملك فهد لم يكن يريد أن تثار حفيظة إيران خاصةً أنه يريد إيقاف الحرب لا توسيعها.

رفيق الحريري رئيس وزراء لبنان السابق: (وقف الملك فهد مع العراق دون أن يعادي إيران وكما ذكرت باستمرار كان يفكر باليوم الذي سيأتي حتماً وتعود المياه إلى مجاريها بين المملكة العربية السعودية وبين إيران)

وتجنب الملك فهد أي نقد مسيئ لإيران بعد الثورة الإيرانية، فمثلاً عندما دبر الحجاج الإيرانيون عملية شغب في موسم الحج عام ١٤٠٣، كان الرد السعودي على الأرض حازماً، لكن البيانات الرسمية تجنبت مهاجمة النظام الإيراني.

رفيق الحريري رئيس وزراء لبنان السابق: ( اللي كانت كلها تصب في اتجاه واحد عدم ووسيع المشكلة مع إيران والحفاظ علية بالحد الأدنى من التوتر سواء أيام الحج أو ببعض الحوادث الأمنية التي كانت تحصل باستمرار كان فيه حرص على كرامة إيران وعلى العلاقة المستقبلية مع إيران رغم وجود الحرب القائمة، والتي كانت المملكة دولة مساندة للعراق وهذا ليس سر)

التهديد الإيراني للخليج

صعدت إيران مواجهتها بعد الثورة الإيرانية وهددت بسد مضيق هرمز وحرمان السعودية وغيرها من النفط فرد الملك فهد بكل هدوء أن إغلاق سيسبب دمار للمصالح الإيرانية أيضاً كما أنه قد يفتح الباب أمام دول كبيرة للتدخل في شؤون المنطقة.

رفيق الحريري رئيس وزراء لبنان السابق: (كان هم الملك الأساسي أنه تمرير هذه المرحلة بأقل التوترات الممكنة وبدون أن يخلق عداوة بين الشعب السعودي والشعب الإيراني)

في مواجهة التهديدات الإيرانية والثورة الإيرانية أتخذ الملك فهد خطة إستراتيجية سرية لمواجهة الخطر المقبل، فأمر ببناء قاعدة عسكرية في حفر الباطن وأمر ببناء خط أنابيب عملاق ينقل النفط من الخليج إلى البحر الأحمر وبالتالي يفشل مشروع إيران لو أغلقت الخليج.

واستلمت السعودية الطائرات من طراز F15 الأمريكية. وفي الخامس من يونيو عام 1984 دخلت مقاتلات الإيرانية الأجواء السعودية فهاجمتها القوات السعودية وأسقطت منها اثنتين، ورغم تفوق بلاده العسكري قرر الملك فهد بحكمته ألا ينجر إلى الحرب مع إيران فأكتفى بإصدار بيان عن إسقاط الطائرتين

في عام 1985 كان للعراقيين اليد العليا وبعدها بعام أستخدم الإيرانيون تكتيك الموجات البشرية ونجحوا في استعادة مناطق لهم محتلة، وأطلقت إيران أصوات التهديد في اتجاه دول الخليج والمملكة وقال رفسنجاني أن بلاده تعتبر هذه الدول شريكة في الحرب ضدها وتدهورت الأمور عندما دخل البلدان حرب المدن حيث قامت إيران والعراق بإطلاق مئات الصواريخ على بعضهم البعض.

السعودية تشتري الصواريخ الصينية

وأدرك الملك فهد أن السعودية قد تقع ضحية لهذه الحرب إذا لم تمتلك سريعاً السلاح الرادع، طلب الملك من الأمريكيين صواريخ إستراتيجيه طراز بيرشن. إلا أن الأمريكيين رفضوا بدعوى أن مباحثاتهم مع الإتحاد السوفيتي حول القذائف متوسطة المدى تمنع ذلك لم يقتنع الملك، فراح يبحث عن مصدر أخر يؤمن فيه الصواريخ المطلوبة. الثورة الإيرانية.

الأمير بندر بن سلطان السفير السعودي السابق في واشنطن: (قال لي الإتحاد السوفيتي لا هذه كثير أن نفرضها على صديقنا ريغان يبلعها. ما حيبلعها بشكل سهل وقتها كانت المواجهة قوية بين ريغان وبين السوفييت وإمبراطورية الشيطان قلت ما فيه إذاً إلا الصين، وجهني إن أتصل بهم وأسألهم هل يمكن عمل صفقة معنا على الصواريخ)

قرر الملك فهد إرسال سفيره الأمير بندر سراً إلى الصين.

الأمير بندر بن سلطان السفير السعودي السابق في واشنطن: (وجهني كذلك أنه يجب ألا أكذب على الأمريكان وفي نفس الوقت ما أقول لهم الصراحة، طيب كيف! هذا يدلك أن هذا الرجل عنده عقل عظيم وما شاء الله عليه زي الكمبيوتر يعني يشتغل باستمرار في عدة اتجاهات)

بندر كان بحاجة إلى قصة تبرر للأمريكان سبب سفره إلى بيكين.

الأمير بندر بن سلطان السفير السعودي السابق في واشنطن: (فأنا رحت للمسؤولين في الحكومة الأمريكية قال لي وش الفكرة قلت وش رايكم لو حنا نعمل اتصال مع الصين ونقول لهم كل سلاح تبيعونه لإيران حنا مستعدين نشتريه منكم ونأخذه ونعطيه العراق. من ناحية نمنع الأسلحة عن إيران ونساعد العراق ونوقف الحرب بسرعه، الأصدقاء الأمريكان قالوا هذه فكرة عظيمة ولا أحد يقدر يسويها إلا أنتم يا السعوديين)

كانت إستراتيجية ذكية لكن فيها مخاطرة بتخريب العلاقة مع الأمريكيين، سافر الأمير بندر إلى بكين مدعياً أنه ينوي بيع منتجات بتروكيميائية، وفي ذلك الوقت لم تكن حتى العلاقات الدبلوماسية بين الصين والسعودية.

الأمير بندر بن سلطان السفير السعودي السابق في واشنطن: (ذُهل الصينين كيف نحن نجي نطلب منهم صواريخ أرض-أرض ممكن تغير ميزان القوة في المنطقة وما فيه علاقات دبلوماسية ولا اتصالات ولا شيء، وأسوء من هذا من وجهة نظر الصين لنا علاقات دبلوماسية مع تايوان وهذا بالنسبة للصينين غير قابل للنقاش)

كانت المفاوضات صعبة.

الأمير بندر بن سلطان السفير السعودي السابق في واشنطن: (فبدون ما أدخل في تفاصيل اتفقنا نحن وهم، رجعت المملكة وخبرت جلالة الملك ووافقوا وحطينا الغطاء أنه اشترينا منهم أسلحة فعلاً كانت رايحه لإيران وأرسلناها للعراق)

ونقلت القذائف إلى جدة في الصناديق الحاوية وحملت من هنا ونقلت تحت الادعاء بأنها متجهة شمالاً إلى العراق، ولكنها حولت سراً إلى قاعدة عسكرية في الصحراء حيث تم تركيبها هناك، وكان عدد القذائف الكامل خمسين قذيفة، بعد سنتين أعلنت الاستخبارات الأمريكية أن أقمارها الصناعية اكتشفت صواريخ صينية في السعودية.

ريتشارد ميرفي وكيل وزارة الخارجية الأمريكية السابق: (علي أن أعترف بالدور السعودي في إخفاء المفاوضات مع الصين وأيضاً وصول وبناء مواقع الصواريخ في الصحراء السعودية جنوب الرياض، لم نكن نعلم بوجود مفاوضات متكافئة كما لم نعلم أي شي عن تسليمها حيث فشلت المخابرات الأمريكية آنذاك)

وأدى ذلك إلى أزمة في العلاقات السعودية الأمريكية.

ريتشارد ميرفي وكيل وزارة الخارجية الأمريكية السابق :( كان ردة فعل واشنطن غاضبة لأن تلك الصواريخ كانت تستطيع حمل رؤوس نووية)

وبعث الملك فهد برسالة إلى الرئيس ريغان ينفي أن تكون الصواريخ تحمل الرؤوس النووية، وعندما طلب الأمريكيون أذناً بفحص الصواريخ كان رد الملك حازماً برفض الطلب ، وفي مناسبة لاحقة حاول السفير هيوم هوران فتح الموضوع عندما كان يرافق المبعوث الأمريكي فيليب حبيب الذي جاء للاجتماع بالعاهل السعودي ، عندها غضب الملك فهد وطلب من الحكومة الأمريكية أن يغادروا وسفيرها المملكة العربية السعودية على الفور رغم مرور ستة أشهر فقط على تعيينه .

الأمير بندر بن سلطان السفير السعودي السابق في واشنطن: (الملك فهد قال أنتم أصدقائنا ونحن أصدقائكم والأصدقاء لا يختلفون مع بعض على مصالحهم لكن فيه شي أسمه سيادة والسيادة هذه ما أقبل أحد يلعب فيها حتى أصدقائي حتى أعز أصدقائي، الحكمة تغلبت وكانوا رجال لهم ثقل وعقل كبير بعد ما مر شهرين ثلاثة، الشرق الأوسط فيه مشاكل كثيرة طرأت مشاكل انشغلنا فيها اضطرينا نتعاون فيها ونسوا الموضوع ومشي الحال)

إسرائيل تستهدف السعودية

وتلقت السعودية تقارير سرية خطيرة حول تحركات اسرائيلية تستهدف صواريخها الصينية المنصوبة جنوب الرياض. (الثورة الإيرانية)

الأمير عبد الرحمن بن عبد العزيز نائب وزير الدفاع السعودي سابقاً: (فقررنا إذا ضربت إسرائيل إي مكان في المملكة العربية السعودية نرد عليها في الحال، فانتشرت طائراتنا في الأماكن المعدة لذلك وطائرات الإخلاء المبكر وتحول جو المملكة العربية السعودية إلى أجواء حرب بحيث أن الطرق المرورية للطائرات المعتادة منعت منعاً باتاً، ولابد أن المواطنين لاحظوها أو لم يلاحظوها لا أعرف، فنما إلى علمنا في اليوم الثالث أن إسرائيل قبلت خطتها يعني هزعت)

انتهاء الحرب الإيرانية العراقية

وصلت الحرب بين إيران والعراق مرحلة الخطورة في عام 1987حينها جدد الملك فهد مبادرة دبلوماسية من أجل إطلاق النار وطالب بأن يتخذ مجلس الأمن قراراً يجبر المتحاربين على وقف إطلاق النار مع التهديد بفرض عقوبات، كسب العراق لاحقاً خمس معارك مهمة، أولاً معركة الفاو ثم حرر الأراضي المخيطة بالبصرة وأستولى على مناطق داخل إيران وتجرع أية الله الخميني كأس سم المصالحة التي كان يرفضها.