ولكن أكثر الحالات التي هزت الملك من داخلة تلك التي أصابت البوسنة في بداية التسعينات بعد التشريد والقتل التي تعرضوا له على يد الصرب، كان الملك يرى أنه يجب اتخاذ الإجراءات الفورية عند تقديم المعونات بدل من تركها ضحية خلافات السياسيين ففي صيف عام 1992 شعر الملك فهد بالقلق على دولة البوسنة والهرسك التي أعلنت استقلالها عن يوغسلافيا.
قبل أن تدرك الدول الأخرى الخطر الماثل شعر الملك فهد بأن المسلمين في البوسنة سيتعرضون لعدوان الصرب فحث الأسرة الدولية على اتخاذ إجراءات لإنهاء الحرب الأهلية، وبدأ حمله عالمية لتقديم المعونات العاجلة وقام بتأسيس اللجنة العليا لجمع التبرعات لمسلمي البوسنة لتخفيف معاناتهم .
بيل كلينتون الرئيس الأمريكي السابق: (كان الملك فهد نفسه مهتماً بقضية البوسنة ورأيت أن هذا يبين شعور عميقاً وغير اعتيادي بالعطف والالتزام نحو إخوته المسلمين لأنهم فقراء وقليلين العدد ويبعدون عن مسافة كبيرة)
الأمير تركي الفيصل السفير السعودي في لندن سابقاً: (كلفني الله يسلمه بمهمة للذهاب إلى الولايات المتحدة كما كلف غيري من المسؤولين للاتصال بالرئيس كلينتون وإبلاغه رسالة وهي أن ما يجري في البوسنة والهرسك هذا أمر يخالف الشرائع ليس فقط السماوية ولكن حتى الدنيوية ومن ضمنها مبادئ الأمم المتحدة مبادئ حقوق الأنسان مبادئ حق تقرير المصير، كل هذه الحقوق التي الولايات المتحدة تتزعم النداء بها والدعاء لها وإلى أخرة تنسف وتدمر وتدنس في البوسنة فعلى الولايات المتحدة أن تقوم بدورها)
د. غازي القصيبي وزير العمل السعودي السابق : ( سياسة الملك فهد نحو موضوع البوسنة كانت تتخذ شقين ، شق ما تستطيع أن تقوم به المملكة مباشرة وبالفعل المملكة قدمت مساعدات للبوسنة والهرسك أعتقد أنها ممكن ربما أكبر دولة في العالم قدمت هذه المساعدات ، المساعدات الإنسانية ومساعدات الأغذية والمدارس وهذه الأشياء كلها معروفة والبوسنة أعلنتها والجهود لاتزال موجودة في بناء المدارس فأعتقد ان هذا كان واجب المملكة الأول ، واجب المملكة الثاني هو أن يحث الدول الأوربية على التدخل في موضوع البوسنة ، وكان ينظر إليها نظرة أن هذا موضوع أوروبي أساساً)
وأجتمع الملك فهد عدة مرات مع رئيس البوسنة عزت بيجوفيتش، وفي ديسمبر 1992 دعا لاجتماع لمنظمة المؤتمر الإسلامي لبحث مأساة مسلمي البوسنة.
علي عزت بيجوفيتش رئيس البوسنة والهرسك السابق: (وصلت إلى جدة على متن طائرة خاصة للأمير سلطان وقد أستقبلني في جدة الأمير سلمان الذي قال لي على الفور عليك أن تعلم أننا لن نقف مكتوفي الأيدي ونحن نرى مسلمي البوسنة يموتون الدول الإسلامية ستساعد البوسنة بكل ما لديها من إمكانيات وسنناقش ذلك في المؤتمر)
وكان أهم ما يشغل بال عزت بيجوفيتش هو الحظر الدولي على بيع الأسلحة ل يوغسلافيا السابقة ففي ذلك الوقت كان الصرب والكروات مجهزين بأحدث الأسلحة بينما كانت أسلحة جيش البوسنة قديمة ولا يملكون إلا ما استولوا علية من أسلحة من أعدائهم.
علي عزت بيجوفيتش رئيس البوسنة والهرسك السابق: (في الحقيقة لم يتأثر في هذا الحظر سوا البوسنة كان الحظر هو الموضوع الرئيسي بالنسبة لنا في المؤتمر لكنه لم يلقى الأهمية الكافية في البيان الختامي إذ لم يتم تعريفة كما يجب ثم ذهبت إلى مقابلة الملك فهد وتحدثت إليه قلت له إننا غير راضين عن صيغة البيان الختامي وأبلغت وزير الخارجية الإيراني ولايتي ونظيره المصري أنذك عمرو موسى الشيء نفسه وبتدخل من الملك فهد فقد صدرت نسخة معدلة من بيان جدة في اليوم التالي لتؤكد بجلاء أن البلدان الإسلامية تعارض حظر الأسلحة المفروض على البوسنة والهرسك ، فأكدت تلك البلدان أنها سوف ترسل السلاح إلى البوسنة والهرسك إذا لم يرفع الحظر)
قام الملك بالتدخل محتجاً على مواقف بعض الدول العربية التي كانت تريد حظر تمويل السلاح للمعتدي والضحية على السواء وأبلغهم أنه مالم تقدم الحماية للمسلمين فأنه لا مناص من مد البوسنة بالسلاح فوراً.
دوغلاس هيرد وزير خارجية بريطانيا سابقاً: (كان يشيرون على الأخطار المحتملة فيما إذا أتخذنا مساراً يؤدي إلى سقوط سراييفو وإجبار المسلمين على قبول المساعدة فقط من الإيرانيين واولئك الذين كانوا مستعدين لتقديمها)
الأمير بندر بن سلطان بن عبدالعزيز السفير السعودي السابق في واشنطن : (أرسلني الملك فهد برسالة للرئيس بوش ورسالة بسيطة وعميقة يا فخامة الرئيس أنا كصديق لك أرغب أن تتدخل الولايات المتحدة بقوات عسكرية ومستعدين نعمل تحالف إسلامي من الدول الصديقة من المغرب من مصر من باكستان والسعودية ونرسل قوات مع القوات الأوروبية مع القوات الأمريكية ونوقف الحرب ما بين المسلمين والمسيحين ، الرئيس بوش رد علينا وهذا الخلاف الوحيد اللي كان بينا وبين الرئيس بوش وكنا متفقين معه في كل شيء إلا في موضوع بوسنه وكانت على أخر عهده على أي حال ، قال شوف أنا مستعد أي موقف سياسي يرضي الملك فهد في البوسنه بس جندي أمريكي واحد ما أرسله للبوسنه ، لأن ما فيه مصالح لأمريكا في البوسنة)
تشارلز فريمان سفير أمريكي سابق: (شعر السعوديين بالإحباط والحيرة والغضب بسبب الاستجابة الغير وافيه من قبل الدول الأوربية والولايات المتحدة التي تركت الأوروبيين يعالجونها على اعتبار أنها مشكلة أوروبية لكن السعوديين لم يروا الأمر كذلك وفي نهاية المطاف كانوا على حق، وفي النهاية كان على الولايات المتحدة التدخل لجدية لحل الأزمة)
علي عزت بيجوفيتش رئيس البوسنة والهرسك السابق :(عند عودتي قال لي الأمير سلمان في المطار أن نائب الرئيس الامريكي المنتخب الغور أبلغه ان الولايات المتحدة ستعيد النظر في موقفها بشأن الحظر وكانت الإدارة الأمريكية الجديدة ستتسلم مهامها في شهر يناير وتبين في وقت لاحق في خلال سلسلة من الظروف أن الموقف الأمريكي قد أختلف فعلاً، وكان من المعروف أن الكونجرس الأمريكي قد أصدر مرتين قرار يقضي برفع الحظر عن البوسنة والهرسك)
الأمير بندر بن سلطان بن عبدالعزيز السفير السعودي السابق في واشنطن: (بعد ما جاء الرئيس كلينتون كان عنده رغبة أنه يتدخل وكان كلينتون يشوف أن هذه فرصة حتى أرسل معي رسالة للملك فهد بيقول فيها أن أنا أشوف تدخل أمريكي أوروبي للبوسنة لوقف القتال أنا أشوف فيها فرصة والأوروبيين يشوفون فيها مشكلة ، أنا أشوف فيها فرصة لو تدخلنا كقوات أغلبيتها مسيحية أوروبية أمريكية وحافظنا على الأقلية المسلمة ووقفنا القتال هذا يسبب علاقات أفضل مع الف مليون مسلم في العالم ولكن حسب ما كان يقول الرئيس كلينتون الأوروبيين لا يرونها فرصه يرونها مشكلة ، بس لما وجدنا التغير في سياسة الولايات المتحدة واستعداد إدارة الرئيس كلينتون بالتدخل عسكرياً في البوسنة شجعناها)
بيل كلينتون الرئيس الأمريكي السابق: (وشعرت بتشجيع أن ملك السعودية بنفسة يتصل برئيس الولايات المتحدة مثل ما فعل مع من سبقني ويطلب منه التدخل بالقضية بالطبع لم يكن هناك أي شيء يستطيع السعوديون فعلة بشكل مباشر ، ولكن يمكنهم دعم مسلمي البوسنة مالياً ودعم عملية السلام ويجب أن معرفة هذا عند استلامي منصب الرئيس شجعني كثيراً لأن الضغوط في أمريكا متجهة بالنحو أخرى ، حتى وسأل بعض الأعضاء الصحافة كيف يمكننا أن نترك كل هؤلاء الناس يموتون ولكن الضغوط السياسة في أمريكا كانت متمركزة حول المشاكل الداخلية واعتبرت قضية البوسنة بعيدة عنا وأنه على الأوروبيين معالجتها ، وأتذكر في أول شهر فبراير في أول سنة لي في منصب الرئيس ذهب وزير الخارجية إلى أوروبا لجمع الدعم و لكنهم رفضوا كلهم وتطلب الأمر وقتاً أكثر مما أردت ولكن في البداية كان الملم فهد هو الشخص الوحيد الذي نادى بالتدخل حتى تدخلنا)
والتقى الملك فهد بالرئيس كلينتون لبحث إمكانية إقناع أوروبا بقبول قوة حفظ سلام أكثر فعالية لتحل محل قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام الموجودة أنذك في البوسنة.
بيل كلينتون الرئيس الأمريكي السابق: (وكان التشجيع الذي حصلت علية من الملك فهد بالإضافة إلى ضمانه بتوفير المساعدات الإنسانية مساعداً، وكانت هذه بداية نهاية عصر الارهاب الذي شنها ميلوسوفيتش)
وتدخلت واشنطن وأجبرت الصرب على اتفاقية دايتون عام 1995 وأرسلت قوات حلف شمال الأطلسي إلى البوسنة
د. غازي القصيبي وزير العمل السعودي السابق: (ومع الأسف استغرقت الأمر بعض الوقت للحظة التي اقتنعت فيها أوروبا وجميع أوروبا والولايات المتحدة بالتدخل العسكري والسياسي المشكلة عثرت على حل قد لا يكون حل مثالي ولكن كل حال أنهت الحرب وأنهت المأساة وكان يعني هذا من أسعد الأيام في حياة الملك فهد أن يرى مشكلة البوسنة قد حلت على نحو حفظ للمسلمين حقوقهم او على الأقل جزء كبير من حقوقهم)
وبالإضافة إلى إرسال القوات ومواصلة الضغوط قام الملك فهد بتأسيس 14 مكتباً في كافة أنحاء البوسنة لتوزيع التبرعات التي جمعتها اللجنة العليا والتي قامت بأكبر عملية إغاثة إنسانية للمسلمين هناك، مولت الخدمات الصحية وفتحت عيادات طبية ومدارس جديدة واعيد بناء المساجد المتضررة.
علي عزت بيجوفيتش رئيس البوسنة والهرسك السابق: (تلقينا مساعدة سياسة قوية من المملكة السعودية وغيرها من الدول، أن الدور السعودي هام بلا شك، كيف أعبر لك.. لن يشك أحد في ذلك المساعدة المالية كانت تصلنا عبر اللجنة الخاصة، اللجنة السعودية العليا لمساعدة البوسنة والهرسك قامت هذه اللجنة العليا ببناء صروحاً دينية وثقافية في سراييفو أو بالأحرى في البوسنة والهرسك كما وفرت مساعدات غذائية تركزت تلك الهبات على اللاجئين واليتامى وتم تشيد عدد كبير من المنازل وخاصة في منطقة برتشكو وبلغ وصل عدد المنازل التي شيدتها اللجنة هناك إلى الف منزل)
وما يزال الملك فهد يدعم البوسنه حتى هذا اليوم، وكجزء من سياسة لام الجراح ومنذ عام 1993 أستضاف خادم الحرمين الشريفين الاف من أهالي البوسنة وخاصة المتضررين من الحرب لإداء مراسم الحج، ورداً على ما فعله الصرب أفتتح ممثل الملك الأمير سلمان بن عبد العزيز في سراييفو أكبر مركز إسلامي في أوروبا الشرقية ويضم المركز مسجد يحمل أسم الملك وكذلك صفوفاً دراسية ومختبرات تعليم اللغة وقاعة رياضية، وكعادة السعوديين فإن الملك لم يفاخر قط بهذه الأعمال.
تشارلز فريمان سفير أمريكي سابق: (أنهم يقومون بأعمال جيدة ولا يتوقعون من الناس أن ينشدوا أغاني المديح لهم وهذا ينطبق خصيصاً على الملك فهد وعلى السعوديين عامة، أعتقد أن لديهم الاحساس أن التباهي بالعطاء الخيري يقلل من قيمتها)
منذُ العشرينات من عمره كان الملك فهد دور في صنع السياسة الخارجية وكانت رؤيته واضحة في أن تكون المملكة قوية ومستقلة وأن تكون سيدة نفسها في المفاوضات الدولية والأسواق العالمية وفي نفس الوقت كان يرى أن تحقق المملكة أهدافها هذه دون ضجة إعلامية أو إساءة للأطراف الأخرى.
هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق: (كان قائداً أستطاع أن يمثل وجهات النظر السعودية بطريقة يفهمها الغرب)
جيمي كارتر الرئيس الأمريكي الأسبق: (أعتقد أن جوهر أعماله هو الحفاظ على السلام داخل بلاده وجمع العالم العربي معاً لإقامة علاقات اقتصادية بنائه مع العالم الخارجي بما في ذلك استقرار الدول المنتجة للنفط وكذلك حماية الحقوق الفلسطينية بكل ما أمكن)
بيل كلينتون الرئيس الأمريكي السابق: (ما أحببته بالملك فهد أنه كان دائماً يفكر بالمستقبل كما أحببت رغبته في أن يكون قوة تغير إيجابية دون إهمال التزاماته نحو دينه وشعبه فأنا ممنون له بهذا)
ارتكزت سياسته الخارجية على تحقيق علاقات جديدة مع الدول العربية والدول الإسلامية والولايات المتحدة وروسيا وأوروبا الغربية، حققها جميعاً دون أن يترك للخلافات التي تحدث مع هذه الدول فرصة لتخريب العلاقات أو قطعها وتتحلى ثمار جهوده على مدى العشرين سنة في الاحترام التي تتمتع به المملكة العربية السعودية والنفوذ التي تمارسه في سياسة الشرق الأوسط والسياسة الدولية.